بين بغداد وظلي ؟!
29-09-2024
178
بين بغداد وظلي ؟!
بقلم: د. أحمد القيسي
مقدمة :
بغداد حاضرة التأريخ بغداد حيث الحضارة والأصالة ، فهي عبق التاريخ وبها كل الشواهد الحضارية على تاريخ الدول الإسلامية ، التي لا تزال تنبض بكل المعاني السامية ، بغداد رائعة العرب العاصمة الرائعة للدولة العظيمة العراق سوف يعجز اللسان سوف تجف الأقلام حينما نتحدث عن بغداد وما بها من روائع تتعدد في زوايا عدة ، من مساجدها وآثارها الرائعة وأسواق هي الأقدم في أسواق العرب وهواء عذب ومناخ وطقس لا يوجد في العالم أفضل منه ، علماء في كل المجالات حدث ولا حرج ، أننا بصدد مدينة وعاصمة هي من أفضل مدن وعواصم العرب ككل ، فكم من شاعر تغنى ببغداد وجمال بغداد وحضارة بغداد فكانت محبوبة الشعراء سواء العراقيين أو غير العراقيين ، صدق كريم العراقي وكاظم الساهر حينما قالا وغنى بغداد وهل خلق الله مثلك في الدنيا أجمعها ؟! والأن سوف نسرد أفضل ما قاله كل الشعراء عن بغداد الحبيب .
إذا اجتمع العلم والجمال في مكان فاعلم أنها بغداد ، هكذا يقول مبدعوها ، فعلى ضفتي دجلة وعلى جانبيها الكرخ والرصافة كانت تعقد المجالس الأدبية في بيوتات بغداد القديمة ، وكانت لها مواعيد زمانية ومكانية ثابتة ، حيث تقام فيها جلسات نقاشية فكرية اجتماعية وأدبية وسياسية ودينية .
ويمتد تاريخ هذه المجالس إلى العصر العباسي الذهبي ، ولم يكن يخلو قصر أو جامع آنذاك من هذه المجالس التي يتسامر فيها الأدباء والشعراء مع الأمراء والأعلام من أهالي بغداد وذلك عندما كانت المدينة قبلة العلماء والشعراء والفقهاء والأدباء يأتون إليها من كل حدب وصوب .
وتتنوع المجالس من كل صنف ولون ، فمنها مجالس المقاهي حيث كان للشاعر معروف الرصافي مجلس في مقهى الشط بمنطقة المصبغة يعرفه كل أهالي بغداد ، وكانوا يصفونه بـ الحافل بالفكر والأدب والسياسة والشعر يجتمع فيه علية القوم ووجهاء الشعب وعامتهم .
الكتابة في زمن الحرب وتبعاتها ..
في زمن الصراعات والحروب ، ومع إنخفاض الإنتاج الأدبي للكتّاب في البلدان التي شهدت نزاعات وحروب ؛ برزت تساؤلات عديدة حول مدى تأثير الواقع السياسي وانعدام الإستقرار الأمني الحاصل في بلدان كثيرة على الإنتاج الأدبي ؟ وهل يتأرجح هذا الأدب المرتبط بعدم الإستقرار بين الوثائقية وما فيها من روح الكتابة التاريخية ، وبين الأدب وخياله المطلوب .؟ وتدور التساؤلات حول ما إذا كان الكاتب خاضعا لضرورة الإستقرار السياسي في بلده ، أو أنه يعكس أحوال مجتمعه مهما كانت ؟ وعانوا من تجربة الحرب وفقدان الأمان في بلدانهم .
الإنعكاس على الفكر والأدب ؟!
هي مثل درجة الحرارة عالية الإرتفاع التي لها قدرة على تفكيك تجمعات الذرات ، ثم تجميعها مرة أخرى في ترتيب آخر، حيث إن هذا التشبيه يحيلنا إلى قضية تتعلق بارتباط الإبداع بالمخيلة .. ويحتاج فيها للسكينة والإستقرار النفسي عندما تواجهنا مشكلة ما ؛ إذ يلعب الإستقرار السياسي بالطبع شرط مهم لخلق أدب هادئ لأعطاء صورة ناضجة ، بعيداً عن التشنجات التي تدون في ذهنهِ كونها عامل أساسي في إعطاء أدب رصين متعدد الصور والجوانب لإخراج صورته الجميلة لذلك النتاج الفكري . وأن البلدان التي حدثت فيها اضطرابات سياسية ولفترة طويلة لم تخلق أدبا جيدا إلا ما ندر، أو أن الأدب نفسه يتخذ مسارات يكتنفها الغموض وعدم وضوح الرؤية بسبب تشتت الرؤى وضبابية الموقف والواقع ، أو يتحول إلى صوت حماسي ذائب في خطاب أيديولوجي .. وهذا ما يتفق عليه الواقع والحال لإعطاء فضاء خالي من ضوضاء الحرب ومخلفاتها على الثقافة وكل مفاصل الحياة . إن المبدع يحتاج للحرية والأمان الجسدي والاستقلال الإقتصادي أولا ً؛ إذ ليس من السهل أن تكتب وأنت خائف على حياتك وعلى وجودك أنت وعائلتك وبيتك و مكتبتك وجدول نشاطك الفني والأدبي .. وفي الوقت ذاته لا أميل كثيراً إلى النظر للكاتب من الزاوية التي تجعله يبدو في حالة احتياج دائم لمكرمات السلطات والظروف من حوله ؛ فكل الظروف التي تشهدها منطقتنا إستثنائية ومخيفة وجالبة للقلق والتوتر؛ وبالتالي نحن نهبط إلى مستوى سقف القلق العام في هذه الجغرافيا عندما نختصر احتياج المبدع في توفر طقس سياسي مستقر ، باستثناء الحروب والأخطار التي تهدد الحياة ، أو تعرض الشخص لاحتمالات الهلاك يمكن للكاتب إحتمال ما عداها .. إن إنعدام الإستقرار السياسي أو توفره في هذا الأمر لا يخدم إلا السياسيين ، أما الكاتب فيهمه استقرار بيئة التلقي وانتعاش إستهلاك الفنون لكي يكون لسلعته الرواج الذي ينظر إليه الجميع ليتحول إلى تطور للمهنة والحرفية العقلية والفكرية ، ويحرر الكاتب من سلسلة الاحتياجات والتعويلات .
وفي السياق نفسه ، أنه من دون الإستقرار لا يمكن للأدب والثقافة عامة بكل صورها أن يزدهر، وعلى سبيل المثال الرواية ، فهي فن يحتاج إلى تخطيط وهدوء مكثف جداً، وفي فنون السرد عامة ، بالإضافة إلى المسرح الذي لا يمكن له الإستمرار من دون إستقرار سياسي لكون أن الجانب الأمني يرتبط ارتباطاً وثيق بالجانب السياسي ومنه تتشظى عقبات كثيرة سببها الواقع السياسي مما يؤثر على كافة جوانب الحياة ومفاصلها ، أما الشعر فقد يختلف نسبيا حسب ظروفه فأنا في رأيي لاينقطع كونه يرتبط ارتباطاً وثيق مع الحدث كان سياسياً ام اجتماعيا ًوفي صورته التي نعرفها في الفرح أو الأحزان ورفع الهمم أنه لا يحتاج إلى زمن طويل لكتابته كونه مولود وآني اللحظات والفكرة و إرتجالها حال وقتها ، ويمكن للشاعر أن يُنشئ قصيدته أينما كان ووقت ما أراد ؛ إن شعراء مثل السياب والجواهري كتبوا في ظروف صعبة ، لكن تبقى مسألة آليات الوصول إلى المتلقي من مطبعة وورق ، مما يجعلنا نحتاج إلى الاستقرار من جديد لما ذكرناه أعلاه من ظروف .
ومن جهة أخرى ، يعتبر الكاتب أن الطقس السياسي المطلوب هو توفر مساحة للحرية لاستقراء الموقف ومخيلة الشاعر أو الفنان بصفة عامة فالنظام السياسي القائم على الأيديولوجية ، أياً كانت هذه الأيديولوجية وفكرتها ومراميها وإلى ماذا تصبوا، يريد منك أن تتسق معه . وأن ظهور الإبداع يجب أن تتوفر له طقوس يسمح لها ولك بالكتابة عما يدور في عقلك ويسمح لك بأن تدون طريقة الخيال الخاص بك من دون خوف . إذ أن الديكتاتوريات تخاف من الكتابة لما لها من رأي ثاقب في تأليب الشارع والرأي العام السائد ومدى خطورته ، وهي لا تريد ولا تنتج إلا أدبا هزيلاً، إنها لا تفهم فيه كأبداع هي تصنعه على مقاساتها .!
الكم والتقييم ؟!
بدوره ، يُرى أن كم الإنتاج الأدبي انخفض في بلدان الحروب والصراعات حجمته كثيراً نتيجة للظروف الجمة التي تحيط بالبلد وتبعاتها على المجتمع عامة والفرد خاصة ومنه الطبقة المثقفة ، ونستذكر تجربة العراق التي مر بها خلال ما تسمى " حرب الخليج الثانية " رمت بأعبائها على المجتمع مقيدة بذلك كل مفاصل حياة الفرد وكيف عانا منها كل شرائح المجتمع المثقف وحتى المواطن البسيط وكيف فروا منها نحو الحقول وتشظت بهم بقاع الأرض في احتوائهم ، حيث كان الفكر شارد ومنصب في المجهول لم نستطع أن نقرأ كتابا أو نكتب أو نفعل أي شيء .
وبعد ما آلت إليه تلك الحرب الضروس واسقطت عروس بقاع الأرض بغداد الشعراء والصورو وبعد نهاية الحرب ، فإنها تتحول إلى تجربة أدبية يخوضها الأديب وكل صور الفنانين كلٍ حسب اختصاصه ، وماتناولته الكاتبة والأديبة وفاء عبر رواية "بين بغداد وضلي ، التي عبرت عن مخلفات الحرب ونتائجها الوخيمة وأرهاصات الفنان فيها . ولا يلعب الكم هنا دوراً هاماً بقدر ماتلعب الأهمية في المضمون والفكرة التي تسرد لنا الرواية ووصفها للشخوص التي تتضمنها معبرة بذلك عن صورهم التي رافقتهم سوية ، وأن المهم هو الأدب الجيد الذي يمنح القارئ فرصة للتفاعل والعيش مع أحداث الرواية ، وإن الفن الجيد الذي يقدم رؤية ويطرح أسئلة مسكوت عنها ، الأدب الذي يكشف ويؤثر ويشير إلى أماكن الخلل ، بل ويضع إصبعه على الجرح . لكنني أتفق أيضاً مع فكرة أن الفنان المنتج الإبداعي يقل جهده ويشده عقله لما يؤول إليه بالطبع أثناء الحروب ؛ والنزاعات المسلحة تعمل على عسكرة المجتمع ، وتأسيس خطاب مزيف لإقناع الناس بكونهم جزءًا من النزاع ، وأمراء النزاعات يقومون بالشد والجذب بتوظيف كل شيء من أجل الحرب ، وتحويل الأدب نفسه إلى آلة لخدمة فلسفة النزاع .
التأرجح بين التوثيق والأدب
ويعزو المثقف هنا هذا الإنخفاض إلى حاجة الكاتب إلى فسحة من الوقت والتفرغ والوحدة غالباً ؛ لكي يعيد صياغة الواقع والوصول إلى الاستنتاجات واكتشاف رؤى جديدة . ويضيف أن ما بعد النزاعات هو الفصل الأهم ، الأكثر حيوية والأبعد أثراً ؛ عندما يحدث تراكم للأحداث سيجلس الروائي وحيداً لكي يعيد ترتيب الأشياء . في خضم النزاع لن نمتلك إلا التسجيل وتدوين ملاحظات ليعد الكاتب فيها مستلزمات بناءه ليتم بعدها البناء على ما يراه الكاتب . والعمق الذي يرى فيه في الكتابة يكون بعد انتهاء المأساة والصدمة ، وكل كتابة معاصرة لإحداث شهادة تستطيع بعد ذلك استخدامها لصياغة أدبية . إن التوثيق ربما يميل إلى الوثائقية والتدوين السريع ، مثال ذلك .. القصة القصيرة ، والشهادات ، والمدونات ، والمقاطع الشعرية . أما كتابة الرواية فعمل يختلف تماما ؛ الرواية عمل كبير، تجميع لكل الأمور والأحداث شيء من الشعر إلى الفلسفة إلى الحدث إلى …إلخ والخاتمة إلى الرؤى وإلى المتن ، وهذا يكون بعد انطفاء مواقد الحرب ومشاعلها .
ضبابية في رؤية الواقع .!
وعن صورة المشهد الحالي الآني ، هل ينتظر الكاتب استقراراً ما ليكوّن وجهة نظر بيّنة ؟ وأن الكاتب في هذه الحالة إذا كنا نقصد الروائي على سبيل المثال فالروائيون لهم رؤية خاصة بهم ولديهم فسحة من الوقت والدراسة لهضم الأحداث ثم توظيفها .. أيضا لم يعد معنيا بنقل ذبذبات اللحظة . يلعب الإعلام والإنترنت وتطبيقات التواصل الإجتماعي الآن بدور المواكبة والتحليل والقراءة والاستشراف . أما الأديب المتمرس ذو النظرة الثاقبة فمهمته اختلفت ، ويمكنه اصطياد والتقاط ما يريد من الموضوع الجوهري من كل ما يدور، من خلال قراءة ما بين سطور الأحداث . والبعض لديه حدس ومقدرة على الكتابة عن اللحظة الراهنة مهما كان اللهب عالياً ، وهناك من ينتظر ويراقب المآلات التي تدور بأحداثها ، لكن الصورة واضحة .. وهناك مجتمعات تحاول الإتساق مع ما هي عليه ومع الإنسداد الذي تعيش فيه . ونأمل من كل ذلك أن تُلقن الفوضى والحروب درساً بليغاً للجميع ، وقد تكون الأداة الساخنة التي تثقب البالون لننتقل إلى ملهاة أخرى ، أو تولد طرقاً مختلفة في التفكير تجاه الواقع ، وتنتج حلولاً لتلك الإشكاليات المتراكمة .. ويستطيع الفرز بشكل واضح ، و لن نستطيع ترتيب الحكاية بمفاصلها بشكل واضح في البدء وتكون الأشياء مختلطة ؛ من صور، ومقاطع شعرية ، وخيال ، وثورة ، واضطرابات ، وهيجان ، وتمرد يدور في الأفق ، وسكون، وتفكير، واستنتاج للرؤى، وترتيب للأحداث ، وموسيقى ذاتية في عقل الكاتب ، وصوت خفي يسرد الحكاية أو مقاطع الشعرتنساب مرافقة لذلك . ويحتاج الكاتب إلى إعادة ترتيب كل شيء متسلسلاً. إن الوضع الراهن الحالي يشبه لعبة (البازل) المعروفة . في البدء يكون العالم مثل يوم الخليقة الأول ، كل شيء فيه متداخل ، بعد ذلك تتضح الأمور، ويهرب الضباب ويتبخر ، ويتوقف المطر والرعد ، ثم تبدأ دورة الكتابة .
ونقترب من ذلك ، إن الوصول إلى درجة جيدة من الفهم والوعي ، ثم تقديم رؤى و رأي جيد ، نحتاج الإبتعاد مسافة مناسبة عن موضع الحدث ، وجودنا داخل الصخب الذي يرافق المشاكل الكبيرة يجعلنا غير قادرين على الرؤية الواضحة ، وننساق بقوة للمشاعر الحماسية التي تخلقها الأحداث المباشرة وتؤثر فينا . معظم ما أُنجز عن الحروب والاضطرابات كان بعد توقفها بسنوات طويلة . أعتقد أن النزاعات في العراق الذي كانت فيه الحركة الثقافية والادبية وليدة لحظتها من خلال احداث الحرب التي دارت رحاها طوال ثمانية أعوام وما تبعها من حرب إعلامية موجهة ومن صورة حرب فيها قتل وتدمير امتداد الى ما آلت إليه عبر سنين جسدت واقع الاحداث فيها على مدار الحدث وتطوره وليبيا وسوريا وسائر الوطن العرب وما مر به من أحداث سينتج عنها أدب عظيم فيما بعد ، وهنا ستتضح الرؤية للمبدع بشكل واضح ، وسنرى كل شيء نكتب ونرسم وننتج سينما تستحق الحفاوة .
من هي وفاء عبد الرزاق ؟
هي كاتبة وروائية وقاصة ولدت في مدينة النخيل ثغر العراق الباسم ، مدينة لها اكثر من اسم وكنية هي البصرة من عام 1952. تقيم حاليًا في لندن ، المملكة المتحدة .. وهي من أعلام الثقافة في بلدٍ ولدت فيه أول الحضارات في العالم فهي ابنة وادي الرافدين هي إسم يُشار له بالبنان . وفاء عبد الرزاق تُعتبر من الأصوات الأدبية البارزة في الأدب العراقي المعاصر، حيث كتبت العديد من الأعمال الشعرية والروائية التي تناولت مواضيع متنوعة تتعلق بالإنسانية والحروب والتشظي النفسي .
بالإضافة إلى كتاباتها ، تشغل وفاء عبد الرزاق عدة مناصب ثقافية ، منها رئيس ومؤسس رابطة الإبداع من أجل السلام في لندن ، وسفيرة النوايا الحسنة في الشرق الأوسط ، ونائب رئيس البيت الثقافي العربي في الهند . حصلت على العديد من الجوائز والتكريمات الدولية تقديرًا لإسهاماتها الأدبية والثقافية .
رواية “بين بغداد وظلّي” للكاتبة وفاء عبد الرزاق تُصنّف ضمن الروايات السايكولوجية ، حيث تتناول تعقيدات النفس البشرية وتأثير الحروب والأزمات على الشخصيات . الرواية تتميز بأسلوب سردي يجمع بين البساطة والعمق ، مما يجعلها سهلة القراءة في البداية ، لكنها تتطلب تفكيرًا عميقًا مع تقدم الأحداث .
تتناول الرواية موضوع أعتراءات التشظي النفسي للشخصيات ، حيث تتعدد الظلال لكل شخصية ، مما يعكس تأثير الحروب والفقر والظروف الإجتماعية الصعبة على النفس البشرية . الكاتبة تستخدم الرموز والصور المعقدة لتوضيح هذه التشظيات ، مما يجعل القارئ يعيد النظر في المفاهيم والأفكار المطروحة .
الاحداث ومايدور فيها ..؟!
هي عمل أدبي مميز يعكس الواقع العراقي المعاصر من خلال سرد نفسي واجتماعي معقد للرواية ..
لا يخفى على المراقب المتتبع ما مرّ به العراق منذ السنة الأولى للاحتلال الامريكي عام (2003م) من هدر للأموال وهتك للأعراض وسفك للدماء وصناعة للفوضى التي أوجدت الارباك والاضطراب في كل شيء ثم ما يمرّ به بعد عام (2008) وحتى الوقت الحاضر، وبوادر خطط سياسية جديدة للقوى الدولية عامة والسياسة الأمريكية خاصة ، سيما وقد اكتملت السنة الثامنة من الاحتلال ، وقد مرت أشهر في السنة التاسعة منه ، وتشير الدلائل الواقعية على الأرض إلى أن وسائل جديدة وأساليب تجري لأدارة المرحلة القادمة ، وهي تنتظر نضوج ثمار ربيع الثورات في العالم العربي ، بل تلوح في الأفق علامات الثورات المحتملة في العالم الشرقي والصين وروسيا وفنزويلا ، وغيرها. ولكن ما يجري في العراق هو محاولة من نوع آخر يتناسب والخطط السابقة للاحتلال وطرائقه الامبريالية الاحتلالية ، سيما ايضاً أنه يناسب التحول من الخطوة الأولى من الاستعمال المفرط للقوة العسكرية وإيجاد الفوضى في البلاد (العراق) بالتحول إلى الخطوة الثانية في إحتلال البلاد بأساليبها المختلفة ، خطوة مابعد الإحتلال العسكري ، أي الإحتلال السياسي ، أو ما تطلق عليه الإدارة الأمريكية (الدور المدني) لموظفيها في قيادة من سيتولى الإشراف على إدارة الحكومة في العراق وقيادة الحكم .
ومن الضرورة بمكانه ، والنابه يلاحظ : أن عمل الإحتلال يتطور إلى تثبيت قدمه في العراق بطرائق عديدة قديمة وأخرى حديثة متطورة ، فهو يتابع معالجة الحياة السياسية في العراق باستمرار السير على الخطوات القديمة ، فهو فضلاً عن متابعة الاحتلال العسكري بإيجاد قوة عسكرية بديلة لقوته تقاتل بالنيابة عنه ، ويقدم إلى الدعم العسكري والمعونة ، وأنه يمارس الخطوة الثانية بالعملية السياسية في دعم التيارات المختلفة والاتجاهات السياسية إلى ما يريد ، فإنه أخذ يتهيأ إلى ما بعد الخطوة الثانية ويتطلع إلى إنجاح الخطوة الثالثة بتكبيل العراق بقيود المعاهدات السياسية والأمنية ومتعلقاتها ، وإنجاح الخطوة الرابعة بربط العراق بالإقتصاد الدولي والتبعية للشركات العالمية الرأسمالية . وهو ما يُجهِز إذا ما تم على هوية بلدنا ، ويضعف شخصيته الاسلامية ، ويفصله عن محيطه العربي والإسلامي ، بل يفصله عن المحيط الإنساني بوصفه أمة لها طريقتها في الحياة ، ويضعه في دائرة التخلف والتبعية لا محالة .. وعلى هذا فإنه من الضروري ان تخطو الجهود المخلصة إلى العمل بالمطلوب والاستعداد للقيام بالدور المسؤول المناط بها ، بما يناسب المرحلة الحالية وتجديدها على أصولها من الثوابت التي آمنت بها الأمة عامة والعراقيون خاصة عبر تاريخها العريق منذ تأسيس المدنية للأمة عامة ، وتأسيس بغداد خاصة . وسيما إن الأمة تلاحظ ، ان النجاح لم يحصل على الشكل المتوقع ولم يلاحظ الجمهور ما كان يتأمله من قادته وزعمائه الذين هم خارج العملية السياسية للاحتلال ، أو خارج اللعبة السياسية الأمريكية ، فلم يكن العمل ناجحاً بالشكل المطلوب والمرجو ، على الرغم من التضحيات الجسام في العِرض والدم والمال ؛ وربما هذا من وجه غير مقصود خدم المحتل وأعوانه وأيأس بعضهم .
وأن الرؤية الآن ماهي ؟ أنها بين الفراغ السياسي والوجود الاستبدادي والوهن وأثرها على الابداع الفكري والفني لمفاهيم بكل صوره .
إن الحالة الطبيعية التي يجب أن تعيشها الأمة هي الأمتلاء السياسي ؛ بودية العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، بين رأس الدولة وعموم الجماهير، والفراغ السياسي هو ضعف هذه العلاقة بأعراض التعسف وسوء التطبيق الأمة ومقاييسها وقناعاتها (الدستور) أو تضخم هذا الضعف في العراق بين الحاكم والمحكوم بأمراض القهر والظلم والاستبداد ، أو إنعدام هذه العلاقة بالتغلب والاحتلال . ولا يصلح لمعالجة العلاقة السياسية بين الحاكم والمحكوم إلا رضا الأمة عن جودة اداء الحاكم لدستورها الذي آمنت به ، واختيارها لشخصه في هذا المقام والمنصب . وإساءة تطبيق الحاكم وأجهزته لنظام المجتمع وقانونه الأساس يستفز إحساس الأمة ومشاعرها ، ويحرك مشاعر السخط في الجماهير أو الغضب لا محالة ، فيوجد الثغرات في العلاقة السياسية حتماً ، وكلما ازدات فوهات هذه الثغرات كلما ضعفت العلاقة ووجدت مساحات للفراغ السياسي ، وصولاً إلى اتساع الخرق على الواقع حتماً ، واذا حصل الفراغ بسخط الجمهور وغضبت الجماهير تفلَّتٓ الأمر من بين أيدي الحاكم ، وفارت الغضبة بحراك جماهيري عام ، أو ثورة الشعب ثأراً على الظلم وتخلصاً من التعسف وإزالة للاستبداد وطلب للكرامة الإنسانية ، ولتحقيق الحقوق ، واذا لم تتخلله قيادة سياسية واعية فستعم الفوضى ويظهر مستبدون جدد لا محالة ..
وكذلك في زمن الفراغ السياسي ، بانعدام العلاقة بين الغالب والمغلوب ، وازمنة الاحتلال والقهر والاضطهاد لجيوش القوات الغازية ، التي تمارس الظلم بقصد ، وتحمي فكرتها عن الحياة بوسائل التظاهر والتآمر، والأمان والغدر، والانسانية والقهر، فهي ليس لها ثوابت أو قواعد ، وإنما تمارس الفوضى الخلاقة لما يبقيها في السلطة واستغلال الشعوب .
ثقافة العراق .؟
تعتبر واحدة من أقدم الثقافات في العالم تاريخياً ، وبلد العراق هو المكان الذي يطلق عليهِ قديماً بلاد ما بين النهرين وموطن نشأة الحضارات القديمة ، والتي تركت أثرها الواضح على حضارات العالم (في اختراع الكتابة المسمارية ، وتخطيط المدن ، وتطور علم القانون في العالم القديم ) ثقافياً ، والعراق لديهِ تراث غني جدا . ومن المعروف عنه كثرة الشعراء ، والرسامين ، والنحاتين فيه ، ومن بينهم من يعتبر الأفضل في العالم العربي ، وبعضهم الأفضل على المستوى العالمي . وتتميز بعض مناطقهِ بإنتاج المشغولات اليدوية الجميلة ، بما في ذلك البسط والسجاد . ويعتبر فن العمارة في العراق في العاصمة المترامية الاطراف بغداد مزيجاً بين المعاصرة والتراث ، حيث أنّ البناء جديد في معظمها ، مع بعض الجزر من المباني القديمة الرائعة مثل شارع السعدون ، وشناشيل البصرة وأماكن أخرى في الآلاف من المواقع القديمة والحديثة في مختلف أنحاء العراق .
يحتضن العراق على عكس العديد من بلدان العالم العربي ، ويحتفل بإنجازات ماضيه في العصر البابلي والآشوري والسومري والأكدي حيث تؤكد الآثار المكتشفة عن حضارة عريقة سادت ثم بادت في وادي الرافدين ، وعثر على الكثير من آثار الآشوريين والسومريين في العراق ، ولقد تغير هذا الأمر بعد غزو العراق عام 2003 حيث تعرضت معظم آثاره للتخريب والسرقة أو التحطيم من قبل جماعات إرهابية ، فالعراق كان يوماً مهد الحضارة القديمة في بلاد ما بين النهرين وثقافة سومر، حيث تم فيه اختراع الكتابة والعجلة. وتنتشر في العراق أماكن أثرية كثيرة تحتوي على مباني ضخمة تسمى الزقورة ، وهي عبارة عن معابد مدرجة كانت تبنى في سوريا والعراق ومن أشهر الزقورات عالمياً هي زقورة أور في العراق قرب مدينة الناصرية ، وزقورة عقرقوف قرب العاصمة بغداد مضمون دراستنا برن بغداد وضلي ، ويبلغ عددها حوالي 28 زقورة في العراق .
وصل العراق إلى قمة مجدهِ في القرنين الثامن والتاسع الميلادي في عهد الحضارة الإسلامية أيام الخلافة العباسية حيث كانت بغداد ترأس ما كان في ذلك الحين أغنى الحضارات في العالم ، إذ بلغ العراق العصر الذهبي في العهد الإسلامي وانتشرت المدارس والجامعات الإسلامية في بغداد وصارت قبلة للعالم من حيث التطور العلمي والثقافي وازدهار العلوم والاكتشافات المنوعة على كافة الأصعدة الميدانية ، ومنها في علم الفلك والرياضيات والطب والبصريات والكيمياء والتاريخ والفلسفة وغيرها ، وانتشر وذاع صيت علماء بغداد في كافة أنحاء العالم ، وخصوصًا في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد .
خلاصة ما آلت إليه أستاذتنا القديرة وكاتبتنا د. وفاء حول رواية بين بغداد وضلي :
هو أن الرواية تحكي قصة صراع يعيشه المثقف بكل صوره ومسمياته أننا نعيش زمن الظلال التي تحرّكنا نحو دور الفنان والمثقف بصورة عامة هو كيف يظهر تأريخ بلده او كل بلد عانا ماعانا من ويلات وحروب وكيف يشخص فيه احداث أضرت به من عدة أيادٍ خفية الظاهرية من قبيل المستعمر أو من يعاونه على هدم وتسفيه العقول فيه ونشر روح التخلف لأسباب لها كم هائل من القصد واضعاف هذا البلد وتقويض دور المثقف والفنان وكل صاحب رسالة تهدف إلى الحفاظ على إرث بلده وشعبه وهذا ما تطرقت له كاتبتنا القديرة . وأن هناك علاقات شبكية كأشباح ، لكن هذا (المثقف) ملتزم بقضيته الإخلاقية والوطنية إتجاه بلده وأبنائه ، وتضعه الكاتبة هو بريق الأمل والمنقذ للآتي من الزمن ، بقلمه وفكره ، ونقله للوقائع ، وأن يقف مع المظلومين ، والصحافة هنا صاحبة الجلالة هي سلاحٌ الحق ماضٍ بوجه الطغاة والمتسلطين الذين يحاولون مسك زمام الأمور به لتمرير أكاذيبهم وللتدليس وإخافة الناس وإضعافهم . تضعنا الروائية في مصحتها لغرض العلاج النفسي ، لأن في كلّ متلقي ظلال عليه أن يستجمع ذاته ويوّحد قراره وخطابه ليرى الوطن صورةً أجمل لغدٍ مشرق . وأن بين بغداد وضلي رواية تفتح نوافذ لمستقبلٍ آتٍ تُنبيء به الكاتبة بأن القادم أفضل باذنه تعالى ومن الله التوفيق والشكر موصول لحضرة الدكتورة وفاء لجهودها القيمة وقليلة النظيرفي خدمة المسيرة العلمية والثقافية
د. أحمد القيسي