المنظمة العالمية للإبداع من أجل السَّلام/ لندن

سلسلة التعريف بالأدب التركي (2)

18-09-2024


68 

رواية الشيطان في أعماقنا للكاتب صباح الدين علي

د. لؤي حاتم يعقوب

أستاذ اللغات الشرقية بجامعة أنقرة للعلوم الاجتماعية

تعتبر رواية (İçimizdeki Şeytan) ثاني الروايات الثلاث التي كتبها الروائي التركي صباح الدين علي في اللغة التركية عام 1940م، وقد تناولت رواية "الشيطان في أعماقنا" أحوال شاب وبنت تأثّرا ببعضهما من اللحظة الأولى في مدينة إسطنبول وخاضا غمار تلك العلاقة رغم الصعوبات والتحديات ما إن فرقتهما ظروف الحياة العصيبة. وقد عكس كاتب الرواية بعضًا من أحوال تركيا الاجتماعية في فترة الأربعينات وما جورها من خلال سلاسة قلمه. 

ترجمت هذه الرواية إلى اللغة العربية بعدة تراجم منها؛ على يد المترجم محمد الشرقاوي والتي طبعت في ديوان كتاب في العاصمة التركية أنقرة، عام 2022 م، تحت 333 صحيفة. ومنها؛ على يد المترجمين أحمد زكريا وملاك دنيز أوزدمير والتي طبعت في دار مرايا للنشر والتوزيع في الكويت، عام 2022.

تبدأ الرواية بذكر أسماء شخصيتين بارزتين الأولى عمر وصديقه نهاد، حيث كانا يتحدثان عن موضوع معين وفي أثناء الحديث يدرك نهاد أنَّ صديقه عمر جسده معه ولكن عقله ونظره مع فتاة تجلس مقابلهما في أحد الأماكن في إسطنبول وهو يحدق بها ويشعر بمشاعر مختلفة تجاهها وممكن القول بأنه وقع بحبها من النظرة الأولى. وعلى الرغم من تحذيرات نهاد بعدم الاقتراب والحديث من هذه الفتاة إلا أنَّ عمر لم يستمع له وذهب باتجاه الفتاة والتي اسمها "ماكيدا" ووجد بجانبها امرأة كبيرة تدعى "الخالة أمينة"، وبعد أن رأى عمر أمينة تحدث معها على جنب وأخبرها بما يحس به تجاه هذه الفتاة، فأخبرته أمينة أنَّ الفتاة تهتم وتدرس الموسيقى وأنَّ والد الفتاة ماكيدا قد مات في مدينة بالكسير وهي لا تعلم وأنا لا أستطيع أخبارها بذلك الآن لذلك نصحت عمر بأنَ يتأنَّى قليلًا بالحديث معها إلى وقت لاحق.

وتستمر الرواية بسرد الأحداث وذكر الشخصيات، حيث تروي شخصية ماجدة من مدينة باليكسير صاحبة الموهبة الموسيقية إذ تعلمت الموسيقى عن طريق الدروس الخصوصية من معلمها الأول السيد نيكاتي، أمَّا تلميذه معلم الموسيقى السيد بدري، فكان يعطي درسًا خصوصيًا لماكيدا وتقربا من بعض كثيرًا حتى ظنَّ البعض أنَّ بينهما علاقة عاطفية حتى ترك المعلم بدري بالكسير وذهب إلى إسطنبول.

أمَّا كيف انتقلت ماكيدا من مدينة باليكسير إلى إسطنبول، فكان عن طريق دراستها الموسيقى حيث أرادت أن تطور موهبتها في مدارس الموسيقى بإسطنبول فسافرت وجلست في بيت أمينة وزوجها غالب بي على شكل نزيلة بأجرة شهرية. وبعد مجيء الخبر من باليكسير أنَّ والدها قد توفي فكرت أمينة في بادئ الأمر أن لا تخبرها بسرعة ولكن قررت بعد ذلك أن تخبرها لأنها لا تستطيع أن تخفي عنها الخبر بسبب الأجرة الشهرية التي كان يرسلها والدها لقاء سكنها في البيت، وعندما سمعت ماكيدا بهذا الخبر حزنت كثيرًا وحبست نفسها في غرفتها.

بعد سماع عمر أنَّ أمينة قد أخبرت ماكيدا بوفاة والدها زارهم في البيت وكان الكلّ حزينًا، وأصابهم الذهول والتعب فيدخل عمر إلى إحدى الغرف الفارغة في البيت ويرقد فيها حتى الصباح، وفي الصباح يستيقظ عمر وماكيدا قبل الجميع بنفس الوقت ويتناولان الفطور معًا، وعند خروجهما طلب عمر من ماكيدا أن يوصلها إلى معهد الموسيقى وأخذ منها موعد عند انتهاء درسها في المساء سوف تنتظره ليأتي ويوصلها إلى البيت مرَّة ثانية.

يذهب عمر بعد ذلك إلى وظيفته في مكتب البريد، وبعد تناول الغداء مع صديقه أمين الصندوق حافظ أفندي يذهب إلى مدرسة ماكيدا لأخذها وإيصالها إلى البيت. وعند الرجوع إلى البيت مع بعض يصارح عمر ماكيدا بمشاعره تجاهها منذ النظرة الأولى وتقابله ماكيدا بنفس الشعور، وبعد ذلك بدأت علاقتهما الفعلية وقاما بالخروج يوميًا كلّ مساء.

ونظرًا لعدم إرسال أجار البيت لأمينة بعد وفاة والد ماكيدا أصبحوا منزعجين منها ويسمّعونها كلاما غير جيد يُقلل من قيمتها وينتقص من شخصيتها، وعليه قامت ماكيدا بجمع أغراضها في حقيبة وخرجت من بيت أمينة وقررت أن تعيش في بيت حبيبها عمر، ومنذ ذلك اليوم بدءا بالعيش كزوج وزوجة وبعد ذلك ظهرت الصعوبات المادية ونقص المال عندهم.

يذهب عمر في صباح اليوم التالي إلى عمله في مكتب البريد ويجلس مع صديقه أمين الصندوق حافظ أفندي ليشتكي له همه وما يعانيه من أزمة مالية، وقبل أن يبدأ الحديث معه يخبره حافظ أفندي أنه في مشكلة حيث إنَّ صهره قد سُجن بكفالة مائتين وخمسين ليرة وقد أخذها باسمه من البنك وفي حال عرضه إلى المحكمة سوف يعيدون المال له ولكن المحكمة لن تنعقد جلساتها بسرعة وقد تستغرق أيامًا طويلة، وبعد سماع عمر ما يمرَّ به حافظ أفندي لم يخبره شيئًا.

يتعرف عمر بعد ذلك على صاحب نهاد البروفيسور حكمت، ويجلسان مع بعض ويبارك له زواجه من ماكيدا، وذات يوم يدعوهما إلى حفلة العزف بالعود والبيانو. يلبي عمر وماكيدا دعوة البرفسور حكمت ويذهبان وفجأة يلتقيان بأستاذ ماكيدا القديم بدري والذي كان قد أحبها عندما كانت طالبته في باليكسير، والعجيب في ذلك أنَّ بدري يعرف عمر وهم أصدقاء منذ القدم ولكن لم يلتقيا منذ زمن، فرح الاثنان برؤية بعضهما البعض وأصبحا يلتقيان بشكل مُستمر، وعلى الرغم من أنَّ بدري ما زال لديه مشاعر تجاه ماكيدا إلا أنه لم يظهر ما يخفيه لأحدٍ أبدًا، وعمل على مساعدة عمر ماديًا مرات عديدة وبكلّ ما يستطيع.

وفي أحد الأيام عاد عمر من العمل إلى المنزل ووجد بدري وماكيدا يجلسان على كرسيين متقابلين دون إشعال الضوء والتحدث مع بعضهما، فأساء فهمهما وتكلم معهما بلهجة حادة حتى أنَّ بدري لم يتحمل ما قاله وما سمعه من عمر فغادر المكان بسرعة، وبعد خروجه ندم عمر على ما فعله وبدأ بالبكاء وجلس على الكرسي يفكر ماذا يمكنه أن يفعل. وبسبب الظروف المادية التي يمرُّ بها عمر أصبح مديونًا لكلّ من البرفسور مدحت وبدري حتى وإنه ذات يوم أخذ المال عنوة من أمين الصندوق حافظ أفندي. وفي اليوم التالي يذهب إلى بيت بدري ويعتذر منه على ما حصل وما صدر منه من ألفاظ بذيئة ويسامحه بدري، إلا أنَّ بدري من بعد ذلك لم تعد علاقته بماكيدا قريبة كما كانت في السابق.

وتمضي الأيام وعمر ما زال يبحث عن حلٍّ لظروفه المادية، وفي إحدى الليالي يدعو نهاد كلًا من عمر وماكيدا إلى ليلة ترفيهية قد أقامتها جمعية خيرية في إسطنبول وهناك يلتقون ببدري وبروفيسور حكمت ومن ثمَّ يرى عمر صديقته القديمة أوميت فيُسَرُّ بها ويهتم بها ويتناول معها الحديث عن الماضي بشكل مطول، أمَّا ماكيدا فتشعر بالملل وتريد الذهاب إلى البيت إلا أنَّ عمر لا يعير لها شأنًا. وبعد ذلك يذهب الجميع إلى الكازينو بما في ذلك ماكيدا رغم أنها لا تريد ذلك ويشربان الكحول، وفي أثناء ذلك تترك ماكيدا الجلسة مُتجهة إلى مكان الغائط وعندئذ يلحقها صديق زوجها عصمت شريف إلى نفس المكان وعند خروجها من الغائط يبدأ بمضايقتها فتدفعه إلى الخارج وتعود إلى الجلسة، وعند عودتها وجدت الجميع يداومون على الشرب ويتسامرون فيما بينهم، وفي هذه المرة يقوم البروفيسور حكمت بالتغزل بها وبمضايقتها أمام الجميع وعمر لا يحرك ساكنًا مع رؤيته لكل شيء لأنّه مدين لحكمت بنقود كثيرة ولم يسددها، ولا يزال يظهر اهتمامه ويتحدث مع صديقته القديمة أوميت.

بعد كلّ هذا بدأت ماكيدا تشعر بالاشمئزاز من الجميع ومن الحياة ومن كلّ شيء، وفي يوم من الأيام قررت أن تترك كلّ شيء وترحل، فأخذت الورقة والقلم لتكتب لعمر رسالة طويلة توجز بها له ما تحس به وما الذي دفعها إلى تركه وعيناها تدمعان، وفي تلك اللحظة يطرق عليها الباب بدري ويخبرها بأنَّ عمر قد تمَّ اعتقاله من قبل الشرطة فتتفاجأ ماكيدا بالخبر وتصدم لما سمعته من بدري وبعدها يذهبان لزيارة عمر في الحبس.

وفي أحد الأيام تذهب ماكيدا وبدري لزيارة عمر مرة أخرى، وبعد أن رأته وتحدثت معه طلب منها قبل أن ينتهي اللقاء أن تتركه هو وبدري لوحدهما، وبالفعل تخرج ماكيدا إلى الخارج لتنتظر بدري من أجل أن تعود معه إلى البيت، وبدأ عمر يتكلم مع بدري بأنه اليوم قد أُطلق سراحه ويمكنه الخروج الآن من الحبس لكنه لا يريد أن يذهب مع ماكيدا ويستمر معها ما تبقى من حياته بسبب الأخطاء والتقصيرات التي ارتكبها وأنه لا يريد أن يزعجها أكثر من ذلك وقرَّر أن يبدأ حياة جديدة بمفرده.

طلب عمر من بدري أن يخبر ماكيدا بما يشعر وما يفكر به تجاهها بكلّ وضوح، وحفَّز بدري على الزواج منها أو أن يهتم بها كأخت له ويغادران من المكان، دُهِشَ بدري لما سمع من عمر وعندما خرج وجد ماكيدا تنتظره فأخبرها بما طلب منه عمر فتفاجأت أيضًا وأصابها شعور غريب، وبعدها طلب منها بدري ترك بيت عمر والانتقال إلى بيته فوافقت على طلبه وبدءا بالسير بعيدًا عن مكان الحبس.