قراءة في قصيدة : الى وريثة الزمن/ إنعام كمونة
13-06-2024
63
قراءة في قصيدة : الى وريثة الزمن/ إنعام كمونة
قراءة / سعد الجصاص
علّني أقرأ ولأوّل مرة هذا النوع من الأدب المفتوح على كلّ الآفاق، شعر يُوضع له عنوان،“سرد”، ونصوص سردية أو نثر مكثّف مع الابداع في الشعر العمود، وتلك هي سمة الشاعرة إنعام كمونة. قصيدة
ولك أن تقرأ وتتوغّل في هذا المتن الرائع دون شعور، ولسان الحال يقول: ترى بماذا سأخرج من شغف هذه المغامرة، وثمّة صوت آخر يقول لي: اعتن بهذه القصيدة ، فصاحبتها كمونة قسيمة الابداع، واللحظات الجميلة في تأملاتها حين توسدت النجوم لمعانا, وباستهلال زمني مابين بداية تضئ العمر إلى نهاية بشيخوخة تبرمُ أيامها برحيل و وداع فتقول رؤياها:
حين تشيخ الأيام لا تخبو نواصيها
ويأذن غروبها بذاكرة العمر
غير أنها تنضج ويزهو شبابها
منتحلة هوية أيامنا بمحض نسخة
فتنسل كأرملة سوداء بعنوة صمت يؤرقني
فلا استجارة للأستفهام منها،
غير آبهة بمشيب بيوت ارواحنا
موشومة باستسقاء أعمارنا من ملح الذبول
وكي لا اجامل جدية فلذات روحها
. سأكون بلطافة أبنة مزن الوقت
فكرة النص تعتمد
حقيقةً وصراحةً أدخلتني الكلمات إلى عالمها الزاخر، وأنا ما زلت على عتبات نصّها هذا ، يا له من نص ذي أسلوب سلس وفيه الكثير من الإغراء للحفظ والمطالعة ، كمن يضع للقارئ ما يشتهي ليدخل النصّ، كأنها تدس العسل مع الرغيف ليلتهمه القارئ، كي يصل إلى لذّة الفكرة والطرح معا، فنواصل مع هذا المتن السردي الشعري وكل مقطع يشدك بصدقه على مضمون الشعر من قلق وعزوف وتهاطل وعبق زهور زمني ، هذه الفقرة الدّالة على أنّنا في حضرة شاعرة تشربت روحها بالكتابة، جرّبت مصاعبها واجتازت مسالكها الوعرة واكتوت بنارها، حتى صارت بين ايدينا قصائد فاقت الجمال نفسه على المستوى الشخصي،
كثيرا ما أتوقّف عن مطالعة الشعر لأيّام وأسابيع بل أحيانا لشهور، حتّى أكاد أحسّ وكأني توقفت نهائيا عن المطالعة ، وليس ثمّة شيء يدفعني لأن أبحث عن الجديد الباسق، فانتابني إحساس غريب ولذيذ ، وكأنّ هاجس الشعر قد امترج مع دمي وروحي، واطلت الروح بزي جديد تزينه كلمات هذه الاديبة البارعة من العنوان, تطرح الشاعرة سؤالا مهما يستوقف تفكيرنا وهو : هل الزمن يموت ليكون له وريث؟ ,ومن هي وريثة الزمن؟, فمن سيميائية تجدد الزمن دلالة حسية دوران الزمن على نفسه , ومن أول العتبات تتفتح آفاق تكرار الزمن حتى لو تشيخ الايام لا تخبو نواصيها، إلى وريثة الزمن؛ فهي ها هنا تحول السنة الى اشبه بأم، أم وفلذات أكبادها أجيال من رحم الزمن كأولاد وأحفاد هم الشهور والاسابيع والايام، أي أنها تحاول (أنسنة الزمن) بكل فسلجة الحياة من جسد وروح ومشاعر واحاسيس ,بحزن وفرح وخوف وقلق، بكل هواجس البشر الفطرية، في صورة غير مسبوقة من قبل، إذ عهدنا أنسنة الأماكن والأرجاء، أما الزمان فنعد انسنته فلتة من فلتات الزمان!!.
أهمس بوجه قلبها اللامبالي
بما أوتيتُ من غفلة فطرة،
وليطمئن نبض اندهاشي
من ارتعاد مجون السؤال برخاوة الفكرة
فكل أبناء أيامك تشابهت علينا
أيتها المولودة من رحم العمر
الممهور حبلها السري باندثار الأجداد
كلما نرقّع هندام هروبها البارد
تمزق قماط مسراتنا الدافئ
لمَ تأتينا عارية الفجأة همجية الفواجع
ان الشاعر يمر بوجوه كثيرة في رحلة حياته : للذكرى، للحنين، للتأمّل، للمراجعة، للتصالح مع الذات، خاصة الذات الكاتبة، فتتداخل خلاله مع الأمكنة ومع الوجوه إضافة إلى القصيدة، وكلّ ما يخطر ببالها وهواجسها تطرحه على الورق فيتلون بشعاع شمس.. وهاك هذي القصيدة وكم تدعوك للتأمل..
برفاهية نزوات القدر؟؟
سأدفن بذرة الحزن خفية في تربة العمر
ربما تنبت بادرات الفرح بنزاهة الهدنة
ليتوضأ غد الشمس نثيث قبلة فجر
وتولد كل شهور السنة غابات ديسمبر
باشجار ميلاد جديد
ان ثمّة نصوص كثيرة للشاعرة بما تتجمل فنيا من صور شعرية بانزياحات مركبة الدلالة رائعة الإنسكاب فنية العبارة تلامس خاطر القارئ بما تشجو حروف النص من هموم الأنسان وحزن الوطن المتصدع بنزوات لا سلطان عليها ,لذا غرقت في معاناتها الشجية فحاورني مضمونها وحاورت رسالتها المغردة عن آلام تمر عبر السنين وتبصم عمرنا بالخسران،ولأنها نصوص صادرة عن ذات أصيلة تقود ذاكرتي لمواقف شتى وأحداث وطن، لها في العراق حضور وأفراح وهموم واحزان وحنين ، وتأخذني معها إلى “الجسر” حيث أضاء الشهداء بدمائهم ومشى الصباح بخطواتهم، الى دجلة وشكواه، الى الموت في سبيل البلاد، الى حب الوطن وأمنيات تتجدد، لينتهي بنا المطاف الى شاعرة بحجم معاناة وطن، ومعانيها بحجم وطن كامل من دهشة وذهول، وتلك هي يمامة شعر العراق : إنعام كمونة
قراءة سعد الجصاص