رواية قويوجاقلي يوسف للكاتب صباح الدين علي
01-06-2024
122
سلسلة التعريف بالأدب التركي (1)
رواية قويوجاقلي يوسف للكاتب صباح الدين علي
د. لؤي حاتم يعقوب
أستاذ اللغات الشرقية بجامعة انقرة للعلوم الاجتماعية
تعتبر رواية (Kuyucaklı Yusuf) من أولى الروايات الثلاث التي كتبها الروائي التركي صباح الدين علي في وصف إحدى الحالات التي وقعت أبان الحرب العالمية الأولى، وقد طبعت في عام 1937م. تناولت رواية قويوجاقلي يوسف الأحوال الاجتماعية والمأساوية التي مرَّ بها سكان الريف التركي قويوجاقلي في مدينة آيدن الخاضع تحت إقليم الأناضول آنذاك. أمَّا بداية كتابتها بالضبط فنستطيع القول ومن خلال تتبع سلسلة حياة صباح الدين علي أنَّه بدأ بكتابتها ما بين عامي 1931-1932 أثناء توقيفه في سجن قونيا ولقائه بالسجين يوسف الذي تكلم له عمَّا حلَّ به وما عاشه في حياته.
تصوغ رواية قويوجقلي يوسف كلماتها عن طريق بطلها المُسمَّى يوسف على أنه نشأ وهو طفل يتيم الأبوين يصارع الحياة من أجل العيش والبقاء، حيث تبدأ بإحدى قرى الأناضول وفي بيت تعرض للسطو والقتل من قبل قطاع الطرق المجرمين. تروي القصة تفاصيل هجوم اللصوص إلى بيت عائلة يوسف وكيف قاومهم يوسف وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره وعلى أثرها قُتل أبويه وفقد إبهام يده اليمنى أثناء الشجار مع أحد اللصوص.
وبعد أن ضاع صيت الخبر في المدينة قام وفد حكومي مكون من مدَّع عام وطبيب حكومي وقائم مقام المنطقة وبعض أفراد الحمايات بزيارة موقع الحادث وتمّ التحقق من هذه العملية الوحشية التي لم تتكرر من قبل، فوجدوا المقتولين وبجانبهم طفلًا على قيد الحياة مرميًّا على جانب سرير المقتولين، وعند رؤيته استغرب الوفد ودُهِشَ وبدءوا بمحادثته والاستفسار منه والتقصي عن طبيعة الحادث وتفاصيله، ورغم الحزن والألم الذي كان يشعر به الطفل يوسف في داخله آنذاك إلا أنه كان هادئًا ومُتزنًا أمام الوفد الحكومي الذي زارهم وقد أجاب عن أسئلتهم بكلّ ثقة وطمأنينة.
كان قائمقام البلدة صلاح الدين بيك متزوجًا وله بنت واحدة ولم يُرزق بولد، وبعد أن شاهد ما شاهد من الدمار الذي لحِق بهذه العائلة وابنهم؛ قرَّر أن يتبنى الطفل اليتيم يوسف ويأخذه إلى بيته. ومن هنا تبدأ حياة يوسف الجديد وسط بيت وعائلة جديدة تحيطها صداقات وارتباطات واسعة لم يعتد عليها من قبل، ولم يفكر يومًا من الأيام أنَّه سوف يقع في غرام ابنة قائمقام البلدة واسمها مُعزَّز والتي سوف تكون حبه الكبير مستقبلًا.
وتأتي الشخصية الثانية في الرواية وهي شاهيندة زوجة صلاح الدين والتي لم تحب يوسف في يوم من الأيام، وكانت غير راضية عن جلبه إلى البيت وتضجر منه دائمًا وترى أنَّ هذا الطفل سوف يكون عبئًا عليهم بالمستقبل وسيسبب لهم المشاكل، ولكن صلاح الدين لم يسمع لها ولا إلى ما تطلبه بشأن يوسف، وعلى هذا كانت أجواء البيت متوترة ويشوبها نوع من المشاحنات أحيانًا.
وبعد ذلك بدأ يوسف بالذهاب إلى المدرسة والتعلم ومخالطة طلاب المدينة والتعرف على أشخاص مختلفين وخوض المغامرات معهم إلا أنه لم يكمل دراسته وكان ذلك بسبب رؤيته للتناقض بين أفعال الأساتذة وحياتهم وأقوالهم التي أثرت به وجعلته يترك التعليم فيما بعد.
على الرغم من أنَّ يوسف كان يمثل محور الرواية إلا أنَّ الرواية لم تكتف بذلك فقد قدمت صورة واضحة عن طبيعة المجتمعات وأفراده وكيفية إدارته من قبل العائلات الغنية والظلم الذي يتعرض له أهل القرى في العمل والأجور، إضافة إلى سمة المُتعة والمرح وشرب الخمور والنساء والملاهي التي أخذت حيزًا واسعًا عند الشخصيات الواردة في الرواية. ولم يخل السرد القصصي من مشاجرات الرجال فيما بينهم من أجل المرأة واستخدام جميع طرق الابتزاز وغير اللائقة للوصول إليها حتى وصل الأمر إلى قتل الخصم.
كما وسلَّطت رواية قويوجاقلي يوسف ضوء الانتقاد على الشرطة والقضاة وحكومة البلدة الفاسدين المتعاطين للرشاوي في التستر على جريمة قتل حدثت أثناء حفلة زفاف أمام العديد من الناس. وقد وصفت الروايةُ الشرطةَ بأنهم لم يفلحوا أبدًا بمعاقبة المجرمين والقتلة وكانوا متغاضين عنهم ومزيفين للحقائق وكلّ همهم في الحياة المتعة والقمار وشرب الخمور وبقائهم في المناصب.
إنَّ الصراعات والمشاجرات والمساومات التي جرت حول الزواج ببنت قائمقام مُعزَّز، تنتهي بهروب يوسف ومُعزَّز خارج المدينة ويتزوجان بعيدًا عن الأنظار من غير أن يخبرا أحدًا، وحينما سمع والدها صلاح الدين بالخبر ذهب إليهما وطلب منهما الرجوع إلى مدينتهما وأخبرهما بأنه ليس رافضًا لزواجهما. وبعد تفكير عميق قرر يوسف ومُعزَّز أن يعودا إلى المدينة وألّا يتركا صلاح الدين لوحده مع زوجته شاهيندة، وعملوا حفلة عرس دعوا فيها جميع المعارف والأصدقاء وأصبح يوسف رسميًا متزوجًا من مُعزَّز ابنة القائمقام أمام الناس والمجتمع. وعلى الرغم من أنَّ يوسف ترك تعليمه مبكرًا ولم يجد القراءة والكتابة إلا أنَّ القائمقام صلاح الدين وظَّفه ككاتب في قائمقامية المدينة وأصبح يوسف بعدها موظفًا حكوميًّا عند الدولة.
وتستمر الرواية بسرد الأحداث بطريقة مشوقة، حيث بعد وفاة صلاح الدين نُقل يوسف من عمله إلى وظيفة أخرى وهي جباية النقود من القرى والمدن المجاورة والتي أجبرته على أن يغيب من البيت شهور عديدة ويترك زوجته مُعزَّز وأمها وحدهما في البيت، حيث تدهورت أوضاعهم وحالتهم المادية عمَّا كانوا يعيشون من قبل وأصابهم الفقر والملل من هذه الحياة، ممَّا أدى بشاهيندة أم مُعزَّز بإقناع ابنتها التي لم تبلغ سن الخامسة عشرة من عمرها بالذهاب معها إلى الأمسيات والنوادي الترفيهية ومصاحبة بنات الليل والشرب والجلوس مع الرجال وفي بعض الأحيان تعمل هذه الجلسات في بيتها في غياب يوسف.
وتنهي الرواية سردها بمجيء يوسف ذات يوم إلى البيت من غير علم زوجته مُعزَّز وكشف كلّ ما كانت تعمله شاهيندة وابنتها مُعزَّز التي كانت تحت تأثيرها حيث حولت بيته إلى مكان لارتكاب الأفعال المشينة كشرب الخمور والمعازف وممارسة الفاحشة مع المسؤولين ورجال الأعمال، فدُهِشَ لما رآه أمام عينه والذي أوصله إلى حالة الجنون فسحب مسدسه وأطفأ الضوء ورمى الجميع بالرصاص بشكل عشوائي، وحينها أخذ مُعزَّز معه من البيت وركب الحصان وهرب من البلدة مغادرًا وقاطعًا المسافات الطويلة إلا أنَّ رميه العشوائي للرصاص لمن في البيت لم يحل بينه وبين أن تصاب مُعزَّز من غير أن يعلم وفي نهاية المطاف كانت مُعزَّز هي آخر من فقدهم من بين الذين تعرَّف عليهم وأحبهم في حياته.