"رسائل من الموصل _ حكايا الروح والقدر"
01-08-2023
163
"رسائل من الموصل _ حكايا الروح والقدر"
بقلم: د. زياد ناطق العبيدي
أسعدني أخي الفاضل الكاتب صفوان القطان بإهدائي الكتاب المعنون (رسائل من الموصل - حكايا الروح والقدر) وهو كتاب مشترك له وللفوتغرافي الاستاذ الفاضل محمد عبدالرحمن الجليلي وقد اشرف عليه لغويا د.محمد جاسم جبارة
واكتحل بتصدير أُستاذنا الجليل المؤرخ الأديب والمفكر اللبيب عماد الدين خليل.
أمتعني الكاتب وكأنه يأخذني بجولة سياحية في الموصل بين الماضي منذ عصور ما قبل الميلاد والحاضر، حتى أسال دمعتي وأنا الابن البار للموصل القديمة.
إذ استهل كتابه بأسطورة مصارعة العراقة والعظمة على أرض الموصل المزهرة بشقائق النعمان التي حكمت العالم القديم آنذاك، فروت تلك الشقائق خباياها الموغلة بالقدم.
مدينة احتضنت دجلة نهرا ملكيا قدسه ملوك ما بين النهرين وأحسوا أن سيادتهم لا تكتمل إلا بسيادته فذادوا عنه أيما ذود (وما أبعد الأمس عن اليوم)
ثم يعرج الى مملكة الحضر العظيمة بحضارتها المزدهرة على أرض الموصل بداية القرن الثاني قبل الميلاد ليتقبلها العالم كونها (مملكة الشمس) التي لم تصمد أمامها الإمبراطوريتان الرومانية والفارسية فاستحقت الوجود وأورثت الصمود، وما زالت حجارتها تروي حكاياها على لسان أبنائها.
ثم يشير الى غابات الموصل وهي تروي أساطيرها مع نسائم الفجر فتطيب بها مسامع محبيها من السكان الأصليين لا غيرهم، تلك التي أشغلت ملوك التاريخ المتخذين رمزا من (أسطورة "الطائر أنزو" السومرية) سارق ألواح الألهة المعاقب بسهم مسموم، واضعين رأسه على رؤوس مقابض سيوفهم ليرمز أن سيف الملك الأشوري ماضٍ خارج الحدود بسطوة مطلقة تسللت لأبناء ما بين النهرين.
ويشير الى تقديم أبناء الموصل ارواحهم قرابين لفدائها بشهادة قلعة الصمود (باشطابيا) حيث هزمت الأعداء بقيادة الباشا (حسين الجليلي) حربا ضروسا ما زال يتغنى بها الأبناء والأحفاد.
ويمضي الى منارتها (الحدباء) شامخةَ جامعِها النوري الكبير (نسبة الى نور الدين الزنكي) التي سجدت تحتها الدولة الزنكية متخذة الموصل عاصمتها متحدة مع حلب لتحرر القدس وتتنفذ الى مصر بقيادة صلاح الدين الأيوبي، هدموا المنارة ظناً أن يهدموا تاريخها جاهلين أن أهل الموصل يورثون التاريخ والقيم قبل المال.
ثم يذكرنا بأن الموصل كانت محطة تجار الصين والهند وغيرهما لإمتياز أسواقها التاريخية بأصناف المهن محيطة بسراي الحكومة التاريخي.
ويستوقفنا الكاتب على حافة دجلة بغرائب حكاياه وكيف كان أباطرة الأشوريين منذ (سميرا ميس) الى (اشور بانيبال) يتسامرون عل رقص مياهه الماتع.
ثم يعبر بنا (الجسر العتيق)منجز جلالة (الملك غازي) رحمه الله والنوارس تحلق فوقه تقص حكايا الوفاء.
ثم يعرج الى منطقة (الميدان) ميمنة الجسر بروحانيتها وأصالتها المطلة على الماضي بمنازلها التي لم تُبقِ منها الحرب سوى الرماد.
لم يتجاوز قلمه دُور الموصل القديمة مبهرة المستشرقين بقولهم: (البيوت القديمة لأستقراطيي الموصل ستبقى تذكرنا بأشراف روما) بمرمرها وإيوانها وأعمدتها تبث الروح والأمل عبق أصالة القيم.
وينتقل بنا الى ميسرة الجسر حيث (الخانات) مراكز التجارة وعقد الصفقات بين التجار الوافدين وأهل الموصل الواقعة على طريق الحرير، والمتميزة بصناعة (الموسلين) المنسوج من القطن والحرير والذهب إذ رُغِب بشدة من الدول الأخرى.
ولم تغب الأكلات الموصلية عن الصورة بزكاء رائحتها وماتع طعمها، حيث التآلف والتحاب يُكاتِف أبناءها بجميع أديانهم ومكوناتهم، لم يفرق بين مسمياتهم شيء.. حتى مجيء المستعمر المحتل.
ثم يتجول بنا في ازقتها القديمة حيث كنيسة الساعة وسط بيوت المسلمين أُسست أولى مطابع الشرق لتطبع الكتب وتدرس في مدارسها بروح التآخي.
(أجاثا كرستي) يحدثنا عنها وعن شغفها بالمدينة وقد اتخذت منزلا على تل (النبي يونس) عليه السلام حيث أُوحيت إليها فيه أروع القصص، ويقابلها تل (قوينجق) حيث قصر الملك (أشور بانيبال).
سحر الموصل فجر ينابيع الكتابة من بين أصابعها، معاشرةً ومجالسةً لعوائل الموصل مسحورة بطيبهم وجمال روحهم، فما تمنت قبل موتها إلا أن تعود الى الموصل لكن القدر سبق.
ثم يتوسط كتابه مسترسلا عن الحرب متعددة الوجوه واغتيالها للسلام الذي تكللت به الموصل إذ ارادوا موتها لكن حقيقتها أقوى من ذلك فاستعصت على الموت وعادت الى الحياة، كأشجارها حين تساقطت اوراقها لكن وغول جذورها في التاريخ سرعان ما اعادها للحياة ليواصل الأبناء رسالة الأجداد.
ثم يحكي لنا صورا عن الموصل وسحر بيوتها المتداخلة مع ازقتها الروحانية ونهرها الذي يسقي الواقع بالأساطير القديمة، ولسان حالها ينادي الكل من أجل الكل وإلا هلك الكل.
مدينة مازال الإيمان بحوزتها سلاح لا يقهر يثبت الحقيقة التي تروي المحبة والأُلفة قصة الإلتحام بين أهلها.
مدينة مر بها قطار الشرق السريع جلس في عرباته مختلف الطبقات يتنسمون أجواءها الساحرة، الذي جعلت (أجاثا كرستي) تنسج منه روايتها الشهيرة (جريمة في قطار الشرق السريع) التي عايشتها في طريق عودتها من نينوى عام ١٩٣١
مدينة انتفضت بعد تحريرها لترسم حياة جديدة إحياءً للحاضر وبناءً للمستقبل.
ثم يختم حديثه عن ربيعها الباسم وجمالها الباسل أمام قسوة الحياة مشبها شبانها بالزهور، وبهجتهم بروح الربيع الذي أعاد الموصل الى الحياة إحتفاءً بربيعها الدائم.
-ختاما اقول بوركت اخي الاستاذ صفوان القطان وبورك قلمك وسننتظر منك المزيد.
طُبع الكتاب الطبعة الأولى ٢٠٢٣ بمطبعة الدباغ في اربيل العراق.