قراءتي في رواية " حاموت " للكاتبة العراقية ( ابنة البصرة والتي تقيم في لندن ) الدكتورة وفاء عبد الرزاق
18-07-2023
177
قراءتي في رواية " حاموت " للكاتبة العراقية ( ابنة البصرة والتي تقيم في لندن ) الدكتورة وفاء عبد الرزاق
بقلم: باسمة العوام / سورية
قراءتي في رواية " حاموت " للكاتبة العراقية ( ابنة البصرة والتي تقيم في لندن ) الدكتورة وفاء عبد الرزاق .. والصادرة في طبعتها الثانية عن دار أفاتار للطباعة والنشر ، أبراج المهندسين - كورنيش النيل - المعادي ... عام 2019.
وتأتي الرواية في( 152) صفحة ، وصدرت طبعتها الأولى باللغة الانكليزية عام 2014 .
****************
حاموت
=== فلسفة الحياة والموت .. بها نتذكر الحرب والسلام كما كتبها ( تولستوي ) .. ثورة الأرض ( نتذكرها مع ساراماجو ) ..
أدب المدينة الفاسدة كما تعكسه هنا ( وفاء عبد الرزاق ) ، أو ماسمي باليونانية بالديستوبيا ( المكان الخبيث .. أو أدب المدينة الفاسدة ، أو عالم الواقع المرير وهو عكس اليوتوبيا " المكان الفاضل " ..) .
=== حاموت مجتمع فاسد مرعب .. مدينة بصمات الموت الرهيب ..
حاموت .. حاء الحقيقة ، كابوس الظلام ، أسئلة مؤرِّقة تحاصر سماء وعالم أبنائها ، أسلحة تتلذذ بالدمار ، انهيار لمنظومة قيم اجتماعية وسياسية ودينية ، اقتصادية وأخلاقية ، حقد وثأر وانتقام ، قتل وطن ونفيٌ قسريٌّ للإنسان والإنسانية .
== تقول وفاء عبد الرزاق :
" الكلمة تسيل حبراً أحمر على الورق ، لتعلن موقفها بين أنامل كاتبها ... والكلمة سلوك ، و الموقف سلوك .
وهذا ينطبق على الشعر أيضاً من ناحية الموقف .. لكن عالمنا الحالي مليء بالتناقضات ، فهناك كتاب يكتبون عن المعاناة ، عن الإنسان ، عن المرأة ، لكن سلوكهم في الواقع مختلف فما نفع ذلك .." .
فكيف كتبت وفاء عبد الرزاق روايتها ، بأي حبر وأيّة لغة ، في أيّ أرض وفضاء وأيّة لوحة قدمت في هذه الرواية ؟
====================================
نبدأ مع الإهداء ..
" الإهداء : نعم ؟
أهدي عملي هذا إليها ، تلك العلامة التي لم تصل لذاتها كي أرجو منها الأخذ بيدي والوصول إلى الحقيقة .
مازلت أتساءل أيتها الملتوية على نفسك ؟
لو عدّلتِ من ذاتك واستقمتِ ، هل سنولد من انبثاق النار ، أم من التراب ؟
هاأنا ذا أرسمك مرة أخرى وأقول ماالذي سيحصل ؟ ".
=== إهداء لإشارة الاستفهام !!!
إشارة لأسئلة تبحث عن الحقيقة ، عن عبثية هذا الوجود ، عن تكوّن الإنسان في مرحلته الجنينية وعودته لذات الشكل نهاية حياته ( شكل إشارة الاستفهام وانحناءة ظهرها كما انحناءة ظهر الجنين في بطن أمه الذي يستقيم بعد الولادة وظهر المسنّ العجوز الذي يستقيم بعد الموت .. الإشارة التي خاطبتها الكاتبة بالمفردتين : عدّلتِ واستقمتِ ) .. و عن ولادة من تراب تحولت إلى نار ...
أسئلة تتوالد في كل لحظة ، والأجوبة مفقودة تسبح في فلك الواقع بين غيوم سوداء وظلام قاتل .
== بعد الإهداء تقديم للرواية ، وثم قراءة نقدية بعنوان " بين المدّ والهمز والعصف الذهني " ، للأستاذ الدكتور عبد الرؤوف بابكر السيد ، والذي لخّص التساؤلات المشروعة التي دارت حولها الرواية والمجسّدة بين الراوي والشبح عزيز فكانت كما يلي :
" __هل نموت لنحيا ؟ أم نعيش على أرض حاموت منتظرين موتا محتوما ؟
__هل بعد الموت حياة فعلا ؟
__ لمَ أصبحت الناس وحوشا بشرية ؟
__ هل لأطفال الجوع جرم كي يعاقبوا بالموت جوعا ؟
__ ماذا عن السلام الزائف الذي نرتجيه من شموع الكهنة والقديسين وعلماء الدين والعمائم التي أغرقتنا بالفضيلة ؟ محتالون أم حقيقيون هؤلاء ؟
__هل حقّ علينا العزاء الدائم ؟
__ لماذا لاتكون الحياة مسرة وفرحا وسعادة ؟
__لماذا خلقنا لنموت ؟
__من أعطى البحر لغة الموج ؟ ومن نسّق هذا الخلق ؟
__من نحت في قلوبنا الخير والشر ؟
===== ننتقل لأحداث الرواية التي تبدأ في الصفحة 21 مع الراوي( محمد ) وهو يقدم نفسه قائلا :
" محمد " ..
هو اسمي في شهادة الميلاد ، إنما خالتي كانت تناديني 'بعارف' ، لست أدري لمَ يحلو لها ذلك ؟ وأي عارف لايعرف أيّ شيء عن إطلالته الحقيقية على الدنيا ، هل قُدّر عليه أن يحيا غريبا ويتيما ، أن يأتي ثمة شخص يجهله وينتزعه من حضن أبويه ويحيله إلى كائن مملوء بالتساؤلات ؟".
" بدأت غرفتي مثل مرفأ لايحده شاطئ ، اتسع كل شيء في تلك الليلة وصار موقد تساؤلاتي جمراً يسعر في محور الوجود . أشياء كثيرة تدور في بالي ، حتى صرت لاذهن لي ، ولاصوت ، تجمدت أفكاري وأصبحت منعزلا ......" . ص 25-26 .
===== وبكل مهارة وإتقان لأساليب السرد وتقنيات الحبكة وبراعة الصياغة الفنية والتعبيرية والغوص في عمق الواقع ، يبرز عنصر التشويق وشد الانتباه إلى الحدث السردي في الرواية ، فتكون حاموت ...
مدينة الظلام والموت الزعاف ، سماء الرعب وفضاء الحزن والألم ، دوي الانفجارات وبراكين القتل والقهر والجوع واليتم وضجيج الأشلاء المبعثرة ، أمراض وأوبئة هنا وهناك ، وعالم بين الواقع والخيال يدور .
رسالة تنبئ بما كان وسيكون ، رسالة للماورائيات ، للكائنات الحية وغير الحية ، لأهل حاموت من خلال شخصية " محمد" الذي كان دوما يحاول معرفة لماذا صار الموت سهلا وحياة الإنسان بلا قيمة ، ولماذا تنعدم الإنسانية وتموت القيم ....
__من بعض الأحداث نقرأ ماجاء على لسان الراوي " محمد " :
☆ ص27 .. وأنا أقرأ في الصحيفة عن حرب قادمة بين مدينتي " حاموت " ومدينة مجاورة ، نهضت كمن عضه ثعبان .
يبدو أن البصمات كانت نذيرا لموت جماعي ، لموت اختص أناسا دون غيرهم ".
ص 33.. " وحاموت ماذا أكلت كي تُعاقب ؟ وماشكل الشجرة ؟ النخل ، التفاح ، وهل أخطأ النسغ أم الأوراق ؟
شجرة حاموت تتغذى الآن على الجثث ، على الجرحى والمجلودين وعرق المساجين ، المضروبة أعناقهم والشهداء .
هل التف الشبح حول الشجرة ؟ هل حضر احتضار جذورها ؟
ويلك يا"حاموت " شجرتك مجزأة ، ارفعي الأرض إليك واصنعي منها خبزا للجياع ".
ص37 .." الحديث عن الشيطان يشغل جميع المقاهي والأسواق ، العقلاء والخبل ... وباتت الميتة من الحيوانات شغلا لهم أيضا .
ذات زيارة لي لمقهى" عبود " سمعت عن إشاعة ظهور الشيطان في إحدى حظائر الأبقار ، ولهول منظره جُن البقر وهاج في الشارع ، وكل من يأكل من لحمه يجن .. أعدمت وزارة الصحة مئات الأبقار .. الجشعون باعوها لجزارين مثلهم بأسعار زهيدة ".
" خرج الشيطان من وكره وعطس ، ولأنه كان قريبا من ديك على أحد أسوار مدينة حاموت أصيب الديك "بأنفلونزا الطيور ".. ربما للشيطان مساعدين يعينونه على نقل هذه الأمراض وينشرونها " ...
__ تتوالى الأحداث ، ويستمر الحوار بين " محمد " الراوي الذي رمّز به للحياة ، و " عزيز " الشبح والذي رمّز به للموت ..
"محمد" الإنسان الطيب الذي تأذى من كل شيء ولم يكن مؤذيا ، أحب الجميع وعشق حاموت منذ ولادته وحتى آخر لحظات حياته بعد أن شلّت أعضاءه بسبب إصابته بالسرطان لكن قلبه بقي عاشقا .. لم يتزوج ، نذر عمره لعشق أبدي لمحبوبته التي سكنت قلبه مع "حاموت" ،المدينة التي وصفها ب" السفرة المستديمة " .. وأهلها ، بقوله:" كلهم في أرض حاموت مجرد لعب شطرنج بيد شبح كبير يهرب مسرعا كلما حاولت الوصول إليه"
" كل شيء أصبح بعيدا عني ، كل شيء، حتى ذاتي وهويتي ، كل شي يبحث عن شيء ، ولاشيء ."
ويبقى السؤال عن بصمة الإبهام على الأبواب معلنة عن موت قادم ، والأشباح صور مقدسة يؤمن بها أهل حاموت ، وعزيز ( الشبح ) صديق محمد الذي رافقه حتى النهاية ،
__خاتمة ..
"حاموت" ليست مجرد رواية لأحداث وقعت ولازالت في كثير من بقاع الأرض ، وليست مجرد تجسيد لفلسفة عميقة
تفردت الكاتبة في تجسيدها ، بأسلوبها الشيّق في التجديد والتحديث والتخييل ، و مزجها بين الواقع واللاواقع ، بين الحقيقة والخيال لتجعل من الشخصية الفانتزية مركزا تتمحور حوله الأحداث .
رواية تحتاج التعمق والتأمل طويلا بكل عبارة فيها ، والبحث عن أجوبة لأسئلة وتساؤلات تضمنت كل المشاعر والأحاسيس والمبادئ والقيم الإنسانية ، وكل هموم الإنسان ،معاناته ، آلامه وأحلامه ووجوده بكل مايحيط به ، مما صنعه بيديه أو ما فرضه القدر ، في معادلات لاتتساوى أطرافها ، تثبتها التجارب والكل عاجز عن تعديلها .