المنظمة العالمية للإبداع من أجل السَّلام/ لندن

الجمال قيمة عالمية مهما كانت طبيعة الفاعليات الواقعية

06-03-2023


243 

   الجمال قيمة عالمية

مهما كانت طبيعة الفاعليات الواقعية

بقلم: أحمد عزت سليم

عضو إتحاد كتاب مصر

    سيظل الجمال مهما كان الواقع العالمى الذى يشهد الحروب والصراعات التى تدمر الجمال الإنسانى بتراثه التاريخى الممتد منذ الخليقة  قيمة إنسانية كبرى مرتبطة بماهية الإنسان وفاعلياته وسلوكياته و بالغريزة والعاطفة والشعور الإيجابي ، ويفيد بمعنى ومحتوى للأشياء الإنسانية الحيوية ، قوة تقدير وتحديد وتأطير ، فكل إنسان فى الوجود يراه بشكل مختلف ومتنوع تركيبا ومضمومنا وممارسة ، كما أن الجمال يفسر أشياء الحياة بكل أنواعها وتوازناتها وانسجاماتها مع الطبيعة واعتمادا على التجارب الإنسانية فى الانجذاب والعاطفة والبهجة والسرور في عمق الوعي الإنسانى الحسي والروحى .

      ليظل الجمال مفردة يومية يتداولها كل الناس عشرات المرات فى اليوم الواحد وتشكل أمل بشرى فى كل مناحى الحياة ، ولم يتوانى الفيلسوف البريطاني "روجر سكروتون" عن تقسيم الجمال وتبويبه في أربعة أقسام :ـــ الجمال البشري  بوصفه موضوعاً للرغبة ، والجمال الطبيعي كموضوع للتأمل؛ وجمال مفردات الحياة موضوع العقل العملي؛ والجمال الفني ، وهو شكل للمعنى وموضوع للذوق  .

    الجمال كقيمة حقيقية وعالمية ، ترتكز على طبيعتنا العقلانية ، والشعور بالجمال له دور لا غنى عنه في تشكيل العالم الإنساني ، كما أن الجمال يجب أن يلاحظ بقوة ؛ بإنه يتحدث إلينا مباشرة مثل صوت صديق حميم ، وإذا كان هناك أشخاص لا يهتمون بالجمال ، فمن المؤكد أنهم لا يرون ذلك .

     ومثلنا كبنى الإنسان - مع اللغة والوعي الذاتي والعقل العملي والحكم الأخلاقي - يمكننا أن ننظر إلى العالم بهذه الحقيقة للجمال ، وتلك الحياة على أنها كائن الجمال المقدم والاستمتاع باالحياة معه ، وغالبا ما يربط الناس الجمال بأعلى مساعيهم وتطلعاتهم ، ويشعرون بالانزعاج بسبب غيابه ، ويعتبرون أن التواجد الجمالي ضروري للحياة في المجتمع .

     الجمال إذن هو نوع مثير للإهتمام في سعينا لتحقيقه " من أجل مصلحته " ، دون أي مبرر إضافي ، كائن جميل إذا كنت تستطيع الاستمتاع به فقط لجماله ، إذا سألك أحدهم عن سبب إعجابك بامرأة وقلت إنها جميلة ، فلن يتم البحث والسؤال عن أسباب أخرى ولن يسأل الشخص " وما الصفات الأخرى التي لديها والتي تجعلها جديرة ؟ "

   الجمال ، في شخص ، يدفع الرغبة للحياة بقوة .

     وعلى الرغم من أنه قد يكون هناك أزياء في جمال الإنسان ، وعلى الرغم من أن الثقافات المختلفة قد تزين الجسم بطرق مختلفة ، إلا أن العينين والفم واليدين لهم جاذبية عالمية لأنها هي السمات التي تضيء عليها روح شخص آخر، وتجعل نفسها معروفة .

     الجمال ليس مهم فقط للأشكال البشرية : ـــ هناك الحد الأدنى من الجمالية المتمثلة في وضع الجدول ، وترتيب غرفتك ، وتصميم موقع على شبكة الإنترنت ... تريد الجدولة الجمالية ، أو الغرفة أو الموقع على شبكة الإنترنت لتبدو في نصابها الصحيح ، وتبحث الأمور الصحيحة بالطريقة التي تصل بها إلى الجمال ، المهم عموما ليس عن طريق إرضاء العين فقط ، ولكن عن طريق نقل المعاني والقيم التي لها وزن بالنسبة لك والتي تعرضها بوعي ، ومن خلال التقدير والتفكير الجمالي على مدار فترة زمنية ، وكما أنها تنقل القيمة - حتى القيمة الأخلاقية – والتى يتم إدراكها من قِبل الآخرين سواء أعجبك ذلك أم لا ، وكما يرى البعض إنه لأمر مخز أن تواجهك مشكلة غذائية تؤدي إلى وزن 500 رطل ، ومن المحتمل أن يكون جمالك الداخلي ساحرًا ، لكن مظهرك الخارجي سيصدر حكمًا على شخصيتك وقيمتها ، فالجمال هو " جزء من السياق الذي نعيش فيه حياتنا ، والتعبير عن رغبتنا في الانسجام والملائمة والكياسة " ، ومن خلال علم الجمال فقط ، يمكنك الإجابة بشكل صحيح " هل يبدو ذلك صحيحًا ؟ " .

     هذا ليس شيئًا يمكن تعلمه إلا من خلال تاريخ التأثير الجمالى القوى كما تكشف ماهية قصة الملكة التوراتية إيزابيل الفينيقية وممارساتها الإجرامية بإستخدام جمالها فى جرائم تطهيرية ووصولا للحكم وتأكيد عبادة بعل ، ووفقًا لباحث الشرق الأدنى تشارلزر. كراهمالكوف ، "  ورد في المزمور 45 " أن هذا الزواج كان تتويجا للعلاقات الودية القائمة بين إسرائيل وفينيسيا وكانتإيزابيل ، مثل الزوجات الأجنبيات من سليمان بما لها من جمال مؤثر وكما يشير الباحث  جيفري بروميلي كان لها دورا أكثر نشاطًا في علاقات المعبد والقصور مما كانت عليه العادة في الملكية العبرية ، بعد تتويجها كملكة بجمالياتها ، ضعف الدعم الملكي الرسمي لليهودية ، تم بناء المعابد والمذابح المخصصة لبعل ، مما رفع بعل إلى مكانة وطنية ، كما استخدم إيزابيل الأحكام الملكية لتمويل 450 من أنبياء بعل و 400 من أنبياء أشارة ، خلال مجاعة شديدة في السامرة ، ثم تم تطهير اليهودية بشكل منهجي ،  تم هدم المذابح المخصصة للرب وتدنيسها ، قُتل العديد من أنبياء الرب ، ولم يتبق منهم سوى 100 ناجٍ ( ملوك 16:32و18:19و 18: 3-4 ) .

     ولم يكن الهوس بالجمال مرتبط بالواقع المعاصر ، ففى لوحة " آلام المسيح " التى أبدعها سيمون مارتينى عام 1340م رسم الأشخاص بأحجامهم الغارقة فى أثوابهم الفضفاضة ورسم مانتينيا عام 1456م فى لوحة " الصلب " الأشخاص مبرزا تضاريس أجسامهم ، وكما فى لوحة الحلمة الصلبة والجسم الأبيض والوجه الفاتح لبياتريكس ، وإنما شكل إمتدادا تاريخيا لإستخدام قوالب صناعية للوجه مثل قوالب لجمال الأنف مع عام 1918م ، ووصولا إلى الجمال الدينى ذلك الذى يتمييز بجمالية أخلاقية والقداسة والعفة ، وميزت انتقادات القديس جيروم ترترليانوس بين الجمال الطبيعى وهو من صنع الله والجمال المصطنع وهو من صنع الشيطان ، وللسيطرة وإمتداد القوة والنفوذ الشامل والسياسى  فقد إستخدمت المرأة فى الحقبة الإرستقراطية مواد وخلطات تجميلية رغم خطورتها كالرصاص والأمونيا ورقائق الزرنيخ للحصول على بشرى جمالية مثالية ومما تسبب فى وفاة البعض ولجأت النساء في إنجلترا في بداية القرن العشرين إلى أسوأ الحيل التجميلية للحصول على القوام الممشوق بتناول حبوبًا تحتوى على يرقات الديدان الشريطية والتي تتغذى على معظم المواد الغذائية في معدتهن ورغم مخاطرها من أمراض كالتهاب السحايا والصرع ، واتبعت ماري أنطوانيت ملكة فرنسا وزوجة الملك لويس السادس عشر تسريحات الشعر العالية على شكل أبراج والمُزينة بالريش والزهور كدليل على الجمال والثراء والقوة السياسية ، وفى القرن الـ 19 إرتدت النساء الكورسيهات المصنعة من المعدن والتى قد تسبب كسور الأضلاع ، وتغنى العديد من الشعراء مثل رونسار بالجمال المربرب والأنفاس العطرة ، وألسكندر دوما بالصدر الجرئ وبمنحنيات الأعطاف وبنارية النظرات ، وفى الحروب العالمية التى خاضتها الدول الأوربية مثل فنانى هذه الحروب من أمثال بول ناش ومويرهيد بون ونيفنسون وأوربين وستانلي سبنسر وويندهام لويس حيث وثق هؤلاء من خلال الرسومات العسكرية وخاصة على الجبهة الغربية أحداثها وليس من المنطلق الجمالى الفنى فقط وإنما طبقا لما يرى الناقد الدكتور بول جوف إعتمادا على دوافعهم واستجاباتهم للصراع وتفسيراتهم الفريدة والمتنوعة على نطاق واسع للتأثيرات على المقاتلين ، وبما يؤكد أن الجماليات الفنية قد تكون ليست فنية بجمالياتها فقط وإنما بمستهدفاتها المستهدفة دعائيا وفكريا وصولا إلى كونها دعم للفاعليات الحربية العسكرية ، وبعد عام 1945 ، أعيد تعريف التقليد الإيطالي للجمال الأنثوي في سياق ديمقراطي أصبحت فيه المرأة ، لأول مرة ، مواطنة كاملة وفي مواجهة تحد بعيد المدى من هوليود ، حيث تم أولاً الدفاع عن المعايير التقليدية للجمال بقوة ثم تعديلها وتسويقها وبمسابقات الجمال كأداة حيوية في هذا الانتقال ، حيث كانت بمثابة منتدى لإعادة تأكيد الجمال الإيطالي وكوسيلة لتهجير الأفكار القديمة المتمركزة على الوجه بمفهوم جديد يعتمد على الجسم المثير وأصبح هذا الانتقال مرتبطًا بالصراع السياسي المستمر بين الكاثوليك واليسار للقيادة الأخلاقية والسياسية للبلاد ، وفي حين أن كليهما ، بتأكيدات مختلفة ، دافع عن الــ " طبيعي " على حساب الجمال " المصنّع " على الطراز الأمريكي  ، وفتن الكثير فى الخمسينات من القرن الـ20 بسحر ثدييى جينا لولو بريجيدا وبقمصان الحفر التى كانت ترتديها صوفيا لورين وبالمشية الحركية لمارلين مونورو والحركات الإنسيابية لبرجريت باردو وانتشرت المسابقات المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية لملكات الجمال لتصير نجمة ملكة الجمال كتلة جسدية مكثفة ذات إغراء نشط وحاضر ، بل من منطلق سياسى دعائى غربى لتسييد فكرة أن الشعوب الأوربية هى أجمل شعوب الكون وكما أكدت ذلك موسوعة دينس ديديروت ، بل وبإستهداف إشغال الآخر بعيدا عن قضاياه الوطنية بجمال المرآة من خلال إبراز جماليات وروعة لحمها الطرى وسحنتها الناصعة البياض ،  وكما استخدمت ملكة جمال العالم فى عام 2019 لدعوات السلام فى الحرب الأوكرانية الروسية ، وكما استخدم الجمال للترويج للسياحة حيث كما قامت اللجنة المنظمة للتصفيات النهائية لمسابقة "ملكة جمال العالم"هذا الشهر بجولات سياحية بالأهرامات وأبو الهول شملت70 متسابقة من انحاء العالم من مختلف القارات وذلك فى في إطار الترويج ودعم صناعة السياحة للمدن المصرية   .