المنظمة العالمية للإبداع من أجل السَّلام/ لندن

الإعلام الغربي الموجه طمس للحقائق وتزييف للعقل الفلسطيني ؟!

23-10-2023


271 

الإعلام الغربي الموجه طمس للحقائق وتزييف للعقل الفلسطيني ؟!

بقلم: أحمد القيسي

منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، التي شنتها المقاومة الفلسطينية على إسرائيل، يوم السبت، انطلقت معها موجة تحريض واسعة على المنابر الإعلامية الإسرائيلية، مستخدمة في ذلك كمّاً هائلاً من الادعاءات والأخبار الزائفة، والتي تلقفتها وسائل الإعلام الغربية وعملت على ترويج الخطاب ذاته ، دون التحقق من صحته .

ولم يقف التزييف وشيطنته للفلسطينيين وللمقاومة عند حد وسائل الإعلام، بل تسرب ذلك الخطاب إلى ألسنة قادة وزعماء الدول الغربية ودول من تحت الغطاء حليفة إسرائيل، والذين رددوا في خطاباتهم الأخبار الزائفة نفسها التي لا تدعمها أي مصادر موثوقة .

في كل الحروب هناك حروب إعلامية، مرافقة لها. فمن يمتلك أدوات الإعلام يمكنه إعادة صياغة الأحداث ورفع معنويات جهته، وخفضها لدى العدو، وصنع تاريخ جديد يؤمن به النظام الدولي، ويكسب شرعية من خلاله. في مخيلة المجتمع الغربي كانت إسرائيل دائما ما تلعب دور الضحية، حسب قناعاتهم. كل المعارك التحريرية الفلسطينية، والحروب العربية كانت عبارة عن عدوان خارجي من قوى تمثل تهديداً وجوديا لما يسمى بدولة إسرائيل. تغير المشهد تدريجيا في السنوات الأخيرة، من حيث لا تحتسب، أكدت موجة التطبيع التي حدثت العام الماضي التغيير الحاصل. أصبح المحيط العربي لإسرائيل لا يمثل تهديدا أمنيا لها ، بل أضحت بعض الحكومات العربية تتطلع إلى بناء مستقبل مشترك معها. وباتت الدولة الصهيونية تبدو كأنها القوة الإقليمية الوحيدة في المنطقة، وأصبحت معها خرافة "إسرائيل الضحية" تبدو أقل تصديقا في المجتمع الغربي.

السقوط المهني والأخلاقي للإعلام الغربي يتواصل في غزة بعد أقل من

من عشرة سنوات من مواقفه المزيفة للواقع و المعادي لثورة الشعب المصري في  الثلاثين من يونيو ، وانحيازه ضد إرادة الشعب في التخلص من جماعة الإخوان الإرهابية.

الإعلام الغربي منذ يوم السابع من أكتوبر الجاري وهو يخدع العالم ويزيف الحقيقة على الأرض، وما يحدث من دمار ووحشية ضد الأطفال والنساء والشباب والشيوخ في قطاع غزة وممارسة أبشع أنواع التطهير العرقي والعنصرية البغيضة ، ضد الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع من قادة العالم الذي كان "متحضرا" ويبكي من أجل حقوق الإنسان فى إسرائيل.

وإن الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة.. هي العنوان الرئيسي لكافة تغطية محطات الأخبار المعروفة في الغرب وفي الولايات المتحدة الأميركية ، وكأنها مخولة بإدارة الحرب الوحشية المدمرة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، أو على الأقل قامت بالتنسيق مع إدارات الحرب في تل أبيب وواشنطن على توجيه وتهيئة الرأي العام العالمي لدعم المخططات الإسرائيلية والأمريكية الخبيثة في المنطقة، وشيطنة منظمات ودول المنطقة وجرها إلى آتون حرب لا يعلم مداها أحد ولا يعرف تداعياتها إنسان.

الحرب على غزة أسقطت مرة أخرى وجديدة قناع الخداع والكذب للإعلام الغربي وانحيازه ضد القضايا العربية العادلة والوقوف إلى جانب العدوان، وهذه إحدى النتائج المبكرة للحرب الدائرة الآن.

محطة "سي إن إن" الشهيرة والتي مارست الكذب والدجل والتضليل الإعلامي ضد مصر وشعبها في ثورة 30 يونيو، تشارك أيضا في نشر الأكاذيب والتزييف في الحرب على غزة و انحيازها السافر ضد الفلسطينيين وحقهم المشروع في الدفاع عن أنفسهم من أجل حلم دولتهم المستقلة.

فقد انتشر فيديو لسي إن إن يظهر فيها المخرج يوجه مراسلة الأخبار والمصور عبر الهاتف، بأن يتظاهرا بأنهما تعرضا لصواريخ حماس عندما يقول لها "تلفتي حولك بطريقة تبدو فيها أنك مذعورة .!

وفي سياق الحوار يتنقل السفير الفلسطيني في بريطانيا، حسام زملط، بين القنوات الإنجليزية ليتفاجأ بسؤال واحد، يطرحه معظم المقدمين بغض الطرف عن المؤسسة التي ينتمون إليها مفاده انه هل تدين حركة "حماس" وعمليتها طوفان الأقصى؟!

رغم أن الرجل كان ذكيا واستطاع بأجوبته وجرأته قلب الطاولة على المذيعين، الذين كانوا يودون انتزاع كلام منه يدين حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ولأستغفالهم للمقابل ومحاولة تسفيه العقل الفلسطيني وخاصة أنه سفير السلطة الوطنية الفلسطينية، ولكنه لم يتخيل أن يكون السؤال موحدا ً في مؤسسات تدعي أنها أم الصحافة وأبوها هل تدين هذه الجريمة الغادرة التي قامت بها فلسطين؟

وأكثر من ذلك وجه السفير لهم أسئلة كانت كافية لفضح زيف ادعاءات الإعلام الغربي ، بأنه مع الديمقراطية والحرية ولا يكيل بمكيالين.

وفي إحدى المقابلات يجيب حسام زملط عن سؤال المليون دولار، أن هناك هوسا ً بإدانة الضحية ولوم الضحايا وإدانة من هم تحت الاحتلال والاستعمار والمحاصرين منذ سنوات طويلة .

السفير الفلسطيني الذي لمع نجمه ، رأى بعض المتابعين أنه يخوض حرباً إعلامية ضارية في وجه الحرب الإسرائيلية على غزة ومحاولة طمس الحقائق للرأي لعام والتزييف للعقل الفلسطيني ومحاولة طمس الحق ومصادرة معتقدهم وحقهم المستلب منذ عام ١٩٤٨م.

والحرب العنيفة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 13 يوما يبدو أنها قد كشفت انحياز كثير من وسائل الإعلام الغربية التي كانت تتحدث دوماً عن الحياد والمهنية وحرية التعبير.

فمنذ أن أطلقت المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري ، عملية طوفان الأقصى، أصبحت كثير من وسائل الإعلام الغربية تعتمد رواية الاحتلال الإسرائيلي على ما سواه متجاوزة في كثير من الأحيان الضوابط المهنية والحياد وقد ظهر ذلك في أكثر من مناسبة.

من قصة "قطع رؤوس أطفال إسرائيليين"، مرورا بتسمية العدوان نفسه بـ"حرب إسرائيل وحماس"، وليس آخراً بأتهام حركة الجهاد الإسلامي بالمسؤولية عن مجزرة مستشفى المعمداني في غزة ، سقطت وسائل الإعلام الغربية في فخ الرواية الإسرائيلية القائمة على الدعاية وليس الحقائق على الأرض.

ويمكن للمتابع أن يلاحظ جوهر وشكل التغطية الصحفية في واشنطن ولندن وبرلين وغيرها من العواصم التي تؤيد وجهة النظر الإسرائيلية في تناولها للأحداث بناء على هوية الضحايا وانتمائهم لا على أساس قيمة الحياة الإنسانية بحد ذاتها.

أما على مستوى إسرائيل ، فالأمر أكبر بكثير، وهو لا يتعلق بتناول إعلامها للحرب، فهذا متوقع باعتبارها طرفاّ، وإنما بمحاولة فرض روايتها على وسائل إعلام مستقلة، كما فعل المتحدث بإسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي الذي نشر على منصة "إكس" صورة من موقع الجزيرة نت لتغطية القصف الإسرائيلي على غزة ، وتحديدا مستشفى المعمداني، وكتب ليكون واضحاً : تنظيم الجهاد الإسلامي الإرهابي يقف وراء عملية إطلاق الصاروخ الفاشل الذي أصاب المستشفى المعمداني وأوقع هؤلاء القتلى والجرحى ، معدّلا ّعلى عنوان الخبر نفسه.

وقبل ذلك، نشر حساب وزارة الدفاع الإسرائيلية على إكس أيضا معاتباً الإعلام الغربي على كل ما فيه من انحياز- بسبب أن بعض وسائل الإعلام هذه نسبت قصف مستشفى المعمداني لجيش الاحتلال ، ولم تأخذ الرواية الإسرائيلية للحدث.

ويبقى السؤال هل يعود الإعلام الغربي إلى حياده ومهنيته وعدم تزييف الحقائق والعقول، أم يتوقف على الأقل عن أدعاء ذلك؟ فالحق صوت لا يعلى عليه ولن يسكت مهما تقادمت السنين .