المنظمة العالمية للإبداع من أجل السَّلام/ لندن

الدخان الاسود ....د.تهاني محمد

05-10-2023


193 
الدخان الأسود الكبت مشكلة كبرى ..بل مشكلة المشاكل. فأنت منذ الصباح وحتى المساء تصارع الحياة ومن فيها داخل العمل والعائلة وفي الشارع ومع بائع الخضار واللحم وسائق سيارة الأجرة والاخبار السياسية التي تستمع لها حول ازمة السكن وغلاء الاسعار والانفجار السكاني والتلاعب الامريكي بالعالم هنا زلزال وهنا اعصار وهنا جرائم قتل وهناك تعنيف اسري واغتصاب واختطاف للأطفال ..وهكذا أنت تعود لمنزلك وقد تحولت الى بركان قيد الأنفجار .لكن أن انفجرت في زوجتك فستحل عليك اللعنة وستطرد من غرفة النوم لتنام على الأريكة لإسبوع على الاقل .وانت كذلك ان انفجرت في زوجك ايتها الزوجة فستلعنين من الشيوخ والملائكة والجيران والقنوات الفضائية والفضائيين انفسهم .لذا يلجأ الانسان للكبت .وان انفجر في رئيسه في العمل فسيسمع على الفور (انت محال للتحقيق ومعاقب ).وان انفجر بركانك على صديق فسيهجرك لسوء خلقك وهكذا فتضطر الى ان تغلق فوهة البركان الذي يتلاطم في الداخل ويستعر وقد ينفجر في اي لحظة دون أرادتك فيحطم كل ماجاوره بالحمم البركانية ويملأ السماء بالدخان الأسود.ويحصل مالا تحمد عقباه ولايخطر لك على بال لمجرد انك كنت مكبوت نفسيا. يلجأ هذا المكبوت احيانا للتنفيس عن ألسنة نيران جهنم في داخله بتوبيخ اطفاله وضربهم فهم في النهاية ملك له ولايعترضون ولن يصبوا عليه اللعنات والعقوبات كزوجته. اما افضل الطرق الحديثة لفتح صمام التنفيس هو مواقع التواصل الاجتماعي. فتجد أن احد من الناس قد انزل مقالا في موقع ما وهنا تبدأ الاعراس الكونية فتنهال عليه التعليقات بكل اصنافها من شتائم حضارية او بذيئة او تكفيرية .وستجد ان صاحب المقال هو المجرم والقاتل المتسلسل الذي تم العثور عليه اخيرا فينهال عليه ملائكة الانترنيت ويذيقونه ماذاقه القذافي في (زنقة زنقة) قبل ان يفارق الحياة. انهم لم يفهموا مايرمي اليه المقال حتى لكن صاحب المقال هو افضل من نفجر عليه بركاننا المكبوت خاصة حين نعلق باسم وهمي .فلا رقيب ولاحسيب ولاقانون يمكنه معاقبتنا. وهذا ينطبق على اصحاب المحتوى وصاحب المقال ايضا قبل المعلقين ..فقد كثرت منابر السفهاء واصبح الجميع فيلسوفا وشيخ دين وحتى تحصل على متابعين كثر واموال من مواقع التواصل عليك بان تكون تافها معريا لغيرك ناصحا له على العلن بحجة النصيحة منتقصا منه طاعنا فيه.و(..........) خير دليل ان اردتم البحث عنها على النت على قلة الوقار مع كبر السن ولها متابعون كثر يحبون تفاهتها وسخريتها من الاخرين بحجة الدين النصيحة..يألهي هل باتت النصيحة هي الشتم والاستهزاء من الآخر علنا ! أنه الكبت ياسادة... فأين نخرج مكنونات أنفسنا المريضة ..لاأحد سوف يتحملنا دون عواقب وخيمة .. إلا هذا النت الجميل الأختراع الداهية الذي يتيح لك اظهار فسادك وفكرك المريض المنحرف وحقدك الدفين والنقص الذي يغمرك ودينك الذي لاتفقه منه شيء وضميرك النائم في العسل وأخلاقك التي زرعتها داخلك الشوارع والإنحدار المجتمعي الجاري وانت تصرح من منبر على اليوتيوب او تعلق باسم مستعار . الكبت والمزاج المتقلب هو من سيجعلك تحصل على علامة ممتاز او ضرب بالعصا من معلمتك او معلمك... وهو من يتحكم بسيادة القاضي حين ينطق بالحكم النهائي عليك .. الدخان الأسود يخنق الجميع .والمحظوظ فقط في هذا الزمن هو من يفصل بين دخانه وضميره عند القول او الفعل. #د_تهاني_محمد