المنظمة العالمية للإبداع من أجل السَّلام/ لندن

الدراسات اللغوية

21-04-2023


200 

الدراسات اللغوية

بقلم: محمد عبد الكريم الدليمي

موضوعات لغوية: 

القياس في اللُّغة: إن للُّغة العربية قياساً وإنَّ العرب تَشْتقُّ بعض الكلام من بعض، وهذا من أوسع الأبواب وأكثرها توسعاً، فإنك لم تسمع من اسم الفاعل ولا اسم المفعول، وإنما سمعت منه القليل وقست عليه غيره. ومن هذا نجد الأسماء قد قيس بعضها على بعض، ففي قوله تعالى: ( والقمر قدرناهمنازل حتى عاد كالعرجون القديم ) [ يس:٣٩]، فقالوا: هي الكباسة إذا قُدمت فانحنت؛ وهذا على القياس، والقياس هو أصل من أصول العربية فبه نعرف ما كان يتكلم به العرب، لأن الذي وصل إلينا ما هو إلا القليل؛ وكل ما جاء في القرآن الكريم من ألفاظ أعجمية فهي عربية في الأصل. ومن ذلك اسم المكان والمصدر على وزن المفعول في الرباعيّ قليل، إلا أن تقيسه. وفي قولك المدحرج، فهو دحرجته مُدَحْرَجاً، وهذا مُدَحرجنا، وكذلك قول أكرمته، فهو مُكْرَماً وهذا مُكْرَمك، أي موضع إكرامك، وعلى هذا قول الله تعالى: ( ومزقناهم كل ممزق ) [ سبأ:19]، أي تمزيقٍ، وهذا ممزَّق الثياب، أي الموضع الذي تمزَّق فيه.
تقع في الكلمة الواحدة لغتان فصاعدا، وكل ذلك من اللُّغة العربية الواحدة، التي لا يفصل بينها وبين اللفظ الثاني الذي وقع فيه الخلاف شيء، وإنما هو من ذلك الأصل فلا خلاف.
ونجد هذا كثيراً أو قليلاً على سواء فهو عائدٌ عليها، ومن ذلك في قولك: فُسْطاط، وفِسْطاط، و فُسْتاط، و فِسْتاط، وفُسَّاط، وفِسّاط، وهذه ست لُغات لا أكثر. وفيها أيضاً ما جاء على لغتين أو أكثر، إلَّا أنَّ إحدى اللّغات أفصح من الأخرى نحو بغداذ و بَغْداد و بَغْدان. فهذه ثلاث لغات وكلها صحيحة إلا أنَّ بغداد هو المشهور والأفصح والمستعمل لدى العرب. ومنها ما فيه لغة واحدة، إلَّا أنَّ المولدَّين غيروا ذلك اللفظ فصار هو المشهور. وهو خطأ جارٍ على لسانهم نحو قولهم: أصْرَف الله عنك كذا، وغيرها من الألفاظ.
وكانت العرب في جاهليتها على إرثٍ من إرث آبائهم، فجاء إرثهم على أكبر مما تعرفه العرب من قبل فأغنوا كتبهم في العلوم من اللُّغة وآدابها وتقاليدهم وأمور حياتهم الكبيرة والصغيرة، وذكر ما جاء به الإسلام وهو الحق الذي ينظم به الله سبحانه وتعالى الحياة البشرية، ويجعل لها عنفواناً، والقوة، والحضارة التي انتظرها العرب على طوال حياتهم. وقامت الشريعة الإسلامية على تحديد الأمور المهمة في حياتهم ألا وهي التجارات التي يقوم بها العرب في رحلة الشتاء، والصيف، وبالتَّفقُّه في دين الله – سبحانه وتعالى – وحفظ سنن رسول الله مع اجتهادهم في مجاهدة أعداء الإسلام. 
اللُّغة والدين: لغة العرب هي ليست كأي لغة من لغات العالم، فهي لغة الدين الذي نزل بها، فلا يمكن لنا أن نتخيل ما هو اعتزاز أهل الدين والعرب الأصلاء بهذه اللُّغة العظيمة، وقد تقدم العرب دراسة هذه اللُّغة من جميع جوانبها، وفضلاً عن هذا سعى أهل الدين إلى دراسة اللُّغة والتفقه فيها، وفتح أبواب الغوامض التي لم يفهموها إلا بالرجوع إلى السنة الشريفة بعد رحيل الرسول الكريم  إلى الرفيق الأعلى. حتى صار الإمام فيهم إذا سئل عن قضية في الإسلام فيجيب عنها من فوره، وذلك قول أمير المؤمنين علي  عندما سُئِل عن ابنتين وأبوين وامرأة: "صار ثُمْنها تُسْعاً" فسمّيت المنبرية، وإلى أن يقول هو  على منبره، والمهاجرون والأنصار متوافرون: "سلوني فو الله ما من آيةٍ إلَّا وأنا أعلم أبليلٍ نزلت أمْ بنهار أمْ في سَهْل أمْ في جبل"، وحتى قال  وأشار إلى ابنيه: "يا قوم استنبطوا مِنّي ومن هذين عِلْمَ ما مضى وما يكون"، إلى أنْ يتكلَّم هو وغيره في دقائق العلوم بالمشهور من مسائلهم في الفرائض.

الألفاظ الإسلامية: العرب لم يعرفوا في الفسق إلَّا قولهم: فَسَقتْ، وكذلك لم يعرفوا في الصلَّاة إلَّا قولهم: الدعاء، وأن عرفوا الركوع والسجود ولكن لم يعرفوها على ما جاء به الإسلام. وهذه الألفاظ جاء بها الإسلام على حقيقتها التي وقعت عليها اللُّغة بعد إنَّ حرَّف معناها، على ما وجد عند الجاهليين. والإسلام هو دينٌ وتقويم للُّغة أيضاً، ولا يمكن أن نفرق بين الإسلام واللُّغة. فلفظة الفسق، جاءت في القرآن الكريم عدة مرات، وكلها تعني من فسق عن أمر الشريعة، أي جاء بمعنى غير الذي وضعت لها الآية الكريمة، أو جاء بأمر غير الحكم الذي وضع من قبل الشريعة، قال تعالى ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع الا  ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأتستقسموا بالازلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم ) [المائدة:٣ ]، فدلت الآية الكريمة على أن الفسق هو ما ذكرته من المعنى، وكذلك الصلاة لا تعني الدعاء، وإنما تعني القيام، والركوع، والسجود، وهذا المعنى ما جاء على لفظة الصلاة في القرآن الكريم، قال تعالى ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ان الله يبشرك بيحي مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ) [آل عمران:٣٩]، قال تعالى ( واقيموا الصلاة واءتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ) [ البقرة:٤٣]، قال تعالى ( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون ءايات الله ءاناء الليل وهم يسجدون ) [آل عمران: 113 ]، وكل هذه الآيات الكريمة دلت على أن الصلاة هي القيام، والركوع، والسجود، ولم يكن الدعاء من ألفاظ الصلاة، وإنما الدعاء هو من ألفاظ القيام، قال تعالى ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ان الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين )   [آل عمران:39]، 
  فدل القيام على الدعاء، وليس الصلاة وهي الدعاء، وذلك أن اتفقنا على أن الصلاة هي الدعاء سيكون الركوع والسجود ليس من الصلاة، وهذا كفر، لأن الدعاء من ضمن القيام وليس هو القيام.
 وهذا يخرج من الاشتقاق في الأسماء، ويتبين المعنى المطلوب من كل اسم كما يتبين الفرق بين الكلمة، واللفظ، ولفظ المعنى، ولفظ المعنى الحقيقي، ولفظ معنى المعنى، الألفاظ أصل معرفة جميع ألفاظ اللُّغة، ومعرفة المعنى الذي يقع لكل لفظ.
إنَّ لغتنا العربية هي لغةٌ الدين، ولا يختلف على هذا من أحد، تدور على الأزمان والعصور ولا يختلف فيها أصل أو يختلف معنى اللفظ، وهذه اللُّغة العجيبة قد أفلح بها العرب دون سواهم، وهذه كرامة من الله سبحانه وتعالى للقوم عربي دون غيرهم من الأقوام. ويفضَّل الله تعالى الناس بعضهم على بعض.

من كتابي التأويل والمفردة اللغوية