المنظمة العالمية للإبداع من أجل السَّلام/ لندن

الدراسات اللغوية والفقه المستنبط

21-04-2023


201 

الدراسات اللغوية والفقه المستنبط

بقلم: محمد عبدالكريم الدليمي
---------------------------


   الدراسات اللغوية شريعتك التي تنتظرها بشغف القلوب لمعرفة مصيرك فيما وقعتَ فيه من خطيئة!! 
   فالدراسات اللغوية هي معرفة ما لك وما عليك؛  لأنها هي ميزان الحق، وليس قول الفقيه الذي يستنبط الحكم من الأحكام ويقول هذا ما أراه وهذا رأيي! 
   وقد سقط ممن سبقكم من الأمم قول فقهائهم؛ إذ كانوا يعفون عن كبير القوم بظلم لأنفسهم، ويقسون على صغير القوم بظلم، وهذا منقول بالمعنى من رواية حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه أجمعين. 
   أنظر هنا كيف تأتي دراسة الألفاظ اللغوية من مشتبك المعنى؛ مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين: ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال رجل يارسول الله أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف انصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره ).
   ‏ أنظر أخي الباحث اللغوي كيف تكون الدراسة اللغوية لمتمكن عظيم من اللغة هنا، من خلال إجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الناطق بالوحي، وكيف تُفهم الدراسة في بحثها عندما يكون منهجها: «لا ظالم ولا مظلوم»؛ فتصبح شريعة عظيمة في منهجها وطريقاً مستقيماً في منطق الفطرة الحسنة؛ هدفها النهائي «نصرة الظالم» عبر «منعه» من ظلم أخيه الإنسان! 
   فالباحث اللغوي لا يستعين بالفقيه كي يُخرج حكماً على النص؛ إذ أن ذلك جرم كبير، بل يستعين بدراسته وقواعد اللغة التي تنصر النص بما يطابق الشريعة ومنطق الفطرة، فقوله تعالى:‏ ‏{‏.. وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ‏..}‏ ‏[‏سورة آل عمران‏:‏ آية 7‏]  أي الذين يتدبرون آيات الله ليفهموا ما تقصده الآية الكريمة حتى تنفع عصرها ومجتمعها، ومن المؤكد كل باحث سيُخرج حكماً، بل وقد يتعدد الحكم في النص الواحد، وهذه من حكمة الله علينا، وكلها ضمن ضوابط وأحكام اللغة، ولا تُلقى الدراسات اللغوية جُزافاً؛ لأنها ستُسمى - في هذه الحالة - استنباطاً، بمعنى: تحميل النص ما يُسقطه عليه الفقيه من فكر ومنطق يخدمه، ويخدم مبتغاه الذي يرمي إليه. 
   (.. ولا يعلم تأويله إلا الله.. ) بمعنى إلا كلامه الناطق باللغة العربية ضمن أحكامها وأساليبها اللغوية :‏ {‏.. وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (7)؛ بمعنى الراسخون في العلم، وهو ما ينطبق هنا على  الباحثين اللغويين، العالمين بأسرار اللغة؛ ممن  يسخرون انفسهم ووقتهم ومجهودهم لفهم آيات الله سبحانه، وما تريده من المجتمع والفرد؛ فهؤلاء  {.. يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ..}؛ لأن  اختلافهم في الأحكام يقع ضمن الضوابط اللغوية، ولذا فإنهم {.. يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ..}؛ أيْ أن ‏هذا ما يريده سبحانه ما دام لم يخرج عن أحكام اللغة.  
   ومن هنا، وبناءً على ذلك؛ يبقى الباحث اللغوي هو الحافظ حدود الله، مصداقاً لقوله تعالى: {.. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (فاطر "28")، وبكل ما يلزم من حذر؛ خوف  الوقوع في الخطيئة، ويظل موفقاً من الله؛ مادام عرف قدر الله، فهو سبحانه بجلال قدرته العزيز الغفور.