المنظمة العالمية للإبداع من أجل السَّلام/ لندن

ابواب وفاء عبد الرزاق ودلالاتها الشعرية دراسة في عنونة القصيدة الشعرية ووسائل تشكيل الخطاب الشعري في ديوانها "البيت يمشي حافيا"

09-07-2023


206 

 

ابواب وفاء عبد الرزاق ودلالاتها الشعرية دراسة في عنونة القصيدة الشعرية ووسائل تشكيل الخطاب الشعري في ديوانها " البيت يمشي حافيا ".

أ.د. محمد عويد محمد الساير

كلية التربية الأساسية في جامعة الأنبار/ العراق.

يُبنى ديوان "البيت يمشي حافياً " للشاعرة الادبية والروائية العراقية وفاء عبدالرزاق بناءً منهجياً عجيباً ما رأيت مثيله في عالمنا الشعري المعاصر . فهو يتكون من اربعة فصول , ولكل فصل عنوان محدد , وفي كل فصل عناوين جمة تشاكل هذا العنوان ومحدوديته . ومن البداهة طبعاً أن يحمل كل عنوان في كل فصل دلالات نفسية ورمزية وفنية تريدها الشاعرة من كل عنوان جاء في قصيدتها وفي كل قصيدة جاءت في كل فصل من فصول هذا الديوان .

في محاورتي النقدية هنا سيتركز حديثي على الفصل الاول من هذا الديوان والذي حمل عنوانه فصل ( فصل تجليات الباب ) , ولنبصر هذه التجليات وما فيها , ولنعرف كيف شكل العنوان في القصيدة مشاعر الذات ( الشاعر ) , وكيف ساهم مساهمة فعالة في تشكيل الخطاب الشعري وبناء وسائله عند شاعرتنا الكبيرة وفاء عبدالرزاق . في عناوين القصائد , ولا اريد ان اتكلم على اهمية العنوان وخصوصيته عند المبدع , في اي جنس ادبي كان ابداعه فهذه مسلمات بات يعرفها الجميع , أقول في عناوين قصائد الشاعرة في هذا الفصل , انها تنفتح على اغلب الدلالات التي يثيرها هذا الفضاء المشبع بآهات وتجارب التناسق عبر فضاء عتبة "الباب" . وهو على ما فيه من رمزية واضحة, وما يتبع هذه الرمزية من دلالات نفسية واجتماعية كبيرة يوصلها الينا بأمانة وطمأنينة المكان الذي يحوي هذا الباب , ويحوي كل الابواب , المكان المتعدد الانماط , الاجتماعي البيت , الحضري الدائرة , الصناعي السيارة , الخيالي باب السماء ... باب البحر ... وغيرها . تستنطق هذه الدلالات وهذه الانماط حضورا ايجابيا في شعر وفاء عبدالرزاق في ديوانها هذا . وهذا الاستنطاق مبني على باب او لفصل من هذه الابواب وهو الذي يترجم مشاعر الذات في بدء العنوان , وهو الذي يرسم آليات تشكيل الخطاب الشعري في جسد القصيدة وينقل مشاعر الشاعرة واحاسيسها الى المتلقي , كما يتضح ذلك جليا في اي عنوان وضعته الشاعرة لأية قصيدة من قصائدها في الفصل الاول من ديوانها "البيت يمشي حافياً " , الفصل الذي يتعلق بالأبواب واستكشاف دلالتها , كما سيتضح من قراءتنا لنماذج من هذه العناوين ولهذه القصائد , وهي كالاتي .

في قصيدتها التي سمتها بـ : " نصفان لبابٍ " , يشكل العنوان آلية الخطاب الشعري نحو الاخر , الرجل طبعا . العنوان هنا هو الذي فتق دلالة النص الى وسائل الخطاب . وهو الذي يترجم مشاعر الشاعر الى النصف الاخر الذي يبني الباب مناصفة مع الشاعرة , ومناصفة مع واقعها وحالها ودنيا معيشتها.

والشاعرة وفاء عبدالرزاق تطرح فلسفة خاصة في تشكيل خطابها الشعري في قصيدتها هذه. هذه الفلسفة التي تتضح بجلاء في العنوان عندما سمته ( نصفان لباب ),

هذا النصف الاخر الذي يبنى على اجتماعات عدة , ترسم صورة النصف الاخر كهذا المُعانق , وهذا المتلألأ في امسية اللقاء , امسية العناق , امسية شكلت النصف الثاني لهذا الباب واكملت الخطاب الشعري مضموناً ودلالة وتركيباً في هذه القصيدة تقول الشاعرة :

دَمُكَ

يتمشَّى في حديقة الاحتمالاتِ

وفي امسيةِ العناقِ

تثبُ يَدي

بضراوةٍ وديعةٍ

تتلألأ العواصفُ على مهلِها

بُنيَّةٌ غرقى

نصفُها دَمُكَ

ونصفُها اتجاه.

اما في قصيدتها ( باب الظمأُ) , فالعنوان يرسم حالة لا شعورية عند الشاعرة , ووسائل الخطاب الشعري تتكاتف مع هذا الرسم في توضيح هذه

الحالة الشعورية المشنجة وهي تخاطب هذا الظمأ خطابا موهوما , يعود بالشاعرة الى زمن الطفولة , ويُغري بالحوار , ويواصل الحديث عن تلكم الذكريات التي كانت قبل هذا الظمأ , وان لم تشر الشاعرة الى ذكرياتها هذه , ولم تواصل اكمال نصها , واكتفت بخطاب شعري قصير , كأنها انهت كلمات النص والفاظه فقط , اما المشاعر والاحاسيس والعواطف فامتدت الى ما لا نهاية بخيال ذلك الخطاب, وبدلالات العنوان وتشاكله مع الباب , اذ يرم ان ((الباب والظمأ )) الى ما لا نهاية من الكلام , والى ما لا نهاية من المشاعر , ما بقي هذا الباب , وما بقي هذا الظمأ ... وفي اعتقادي انهما باقيان في نفس الشاعرة وفاء , وفي حياتها , وفي معاناتها , ومن ثم في جسد نصها الادبي الابداعي في الشعر والنثر والقصص والرواية .تقول الشاعرة في قصيدتها " باب الظمأ ":

على تمنُّعي الساخنِ

جُثةُ غيمٍ

تفصلُ بين الأرضِ وبيني

سامحني ايها الظمأُ

حيثُ أغريكَ بالسُعالِ الخافتِ

وأُعتّقُ الطفولةَ على (قفاك ).

واما في قصيدتها التي سمتها بـ ( كتابة ترقص ببابٍ ) , فتبدو الشاعرة فيها الذات ( الشاعرة ) قلقة مضطربة وهي تبدأ قصيدتها بالخطاب الشعري بالنهي في قولها : ( لا تنم على ورقي ) . ومن ثم تنشال الالفاظ التي تدل على اوجاع الذات ومكابدتها مع الحياة في مثل : (الخوف , الخيانة , الجوع , التبدل ) , هذه الالفاظ التي لعبت مفارقة لفظية صفرية مع العنوان وبؤرة دلالته ( للرقص ) . فالكتابة هنا عنوان لهذه المفارقة , وبوح لهذه الالفاظ التي تعاني منها الذات . وتريد ان تنقل معاناتها الى الاخر عن طريق هذا النص , وبوسائل الخطاب الشعري المتعددة التي تخلق جو من الاوجاع والاحزان والخوف ولاسيما اذا تعلقت الامور بالوطن , وبحبه والوفاء له تقول في قصيدتها هذه ( كتابةٌ ترقصُ ببابٍ ):

لا تنمْ على ورقي

رملةٌ تركضُ بخوفِ الصحراءِ

الطلعُ

له خيانة ٌ فاضحةٌ

واللذة المُضيئة بالجوعِ

تُبادلُ الاوطانَ بالرقص.

وعن قصيدتها التي عنوانها (زهرةٌ تطرقُ الباب) , يتمحور العنوان ومظاهر الطبيعة الجميلة التي تمثلها هذه الزهرة . وتركض وسائل تشكيل الخطاب الشعري لاهثة نحو مشاعر الشاعرة وفاء لتقلب لنا طهر الحقيقة المتفائلة الى دم وتشاؤم , من خلال النداء الوسيلة التي يتشكل بها الخطاب الشعري في قصيدتها هذه ومن خلال المظاهر الطبيعية التي انتشرت في النص على الرغم من قصره , يُرسم عنوان النص , ويبقى الباب مختفي الدلالة . يظهر من خلال هذه الطبيعة , ومن وسائل الخطاب الشعر الذي تلمح اليه , وترم اليه .... اما الدلالات فمفتوحة وتتسع سلبا او ايجابا مع كل من يقرأ هذا النص, وكل من يسمع خيالا طرق هذه الزهرة الموهومة , المتخيلة في مشاعر الشاعرة وفي نصها الشعري هذا الذي تقول فيه :

يا زهرتي المُندلعةَ بعريها

من يعطيني اكثر منكِ دَمَاً ؟

لورقٍ نائمٍ في الريحِ،،،

انهب الليلَ الرصاصة.

وفي قصيدتها (باب متعرج الصبر ) , يلمح الخطاب الشعري من خلال

التكرار اللفظي, ولاسيما مع فعل الامر , العنوان يطرح قضية دينية اخلاقية هي قضية الصبر , و يا لها من قضية ولاسيما عند المرأة من اين كانت , ومهما كانت؟! ويتجلى الخطاب الشعري بوضح في المقطع الثاني من النص الشعري الذي يبدو طويلا نسبيا عن باقي نصوص الشاعرة التي استشهدت بها آنفاً . والشاعرة لا تخفي خوفها وحقدها من مجتمعها , وتظهر احزانها الكثيرة ومآسيها المختلفة حتى مع الشوارع والطرقات ورجفات الهواء المراهقة . ومن المؤكد ان هذه الاحزان تستدعي الصبر , وتدعو اليه والى التحلي به , فالباب قد يكون متعرجا بتعرج المشاعر , لكنه الباب , لكنه الصبر , لكنه الفرج ... مهما طال , ومهما انتظر . تقول الشاعرة وفاء في المقطع الثاني من نصها الشعري (باب متعرج الصبر ):

السماءُ تشيرُ لبطني

..

خذي طفلَكِ الاربعيني

واجمعي الصدى،،

فجمعتُكَ قطرةً قطرة

رجفتُ بمراهقةِ الهواءِ

صعدتُ اليكَ

اخفضُ بصرَ الرعدِ والتوي

الشوارع بربرية الحزن ِ

تختنقُ حتى ازرار القميص

ويستمر هذا الحزن , وتستمر هذه الاحزان دلالة وايغالاً ونزفاً في الذات في قصيدتها التي سمتها بـ ( بابٌ لحصاد الروحِ ) . نعم انه الحصاد التي تأتي به الخنازير, المجترَّة , العدد البغيض الذي جال وصال في بلدتنا واوطاننا , اين اهل العشق , وكيف يكونون عشاقا امام هذا الضيف الثقيل . حتما انهم العاشقون المجهولون , الخطاب هنا ايضا يتمثل في نص الشاعرة من خلال النداء ولاسيما في مفتتح الاشطر لينفتح على دلالات عدة يرسم هذا الحصاد , ويرسم تلك الاحزان التي تقضي على الفرح , تقضي على الامل , تلتقط المطر وتنهي ما فيه من حلاوة وتفاؤل وفرح . تقول الشاعرة :

يا عنقي المذبوحَ

الخنازيرُ

استعذبت نومها

فلنغرد لعشاقٍ مجهولينَ

ونتصاعدُ فماً

يلتقط المطر.

ويأتي الحوار , الوسيلة السردية عالية الاستعمال , متفانية التعبير في وسائل تشكيل الخطاب الشعري التي تربط بين العنوان وبين النص الشعري في قصيدة الشاعرة وفاء عبدالرزاق التي سمتها بـ ( باب حليب الوسادة )الحوار يشكل كل مشهد من مشاهد القصيدة , وهو الذي يرسم الخطاب الشعري عند الشاعرة تجاه من تحاوره ومن تتحدث معه . تقول في لوحة من لوحات قصيدتها هذه :

قالَ:

ها هو الدربُ

قلتُ يدي تكتبكَ.

لوحة قصيرة بجسدها الحوار , هذا هو الحوار الذي يبني الخطاب , ويرمز للعنوان في القصيدة من اول لوحاتها .وأما الخاتمة فتقول فيها الشاعرة :

كُناً وعيا،،

وبكل تكوينهِ المائي