العقل والقرين
30-05-2023
211
العقل والقرين
الباحث محمد عبد الكريم الدليمي
قال تعالى ( حتى إذا جاءنا قال ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ) ، قال تعالى ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ) ، قال تعالى ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ) ، قال تعالى ( وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب ) ، قال تعالى ( قل هل ننبئكم بالأخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ) ، قال تعالى ( لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم أذان لا يسمعون بها ) ، قال تعالى ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي ) ، قال تعالى ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا ) ؛ وردت في الآيات الكريمة لفظة القرين ومن المؤكد لا نفهم من معنى القرين إلا هو الشيطان وهذا بحد ذاته خطأ في المعنى لأننا اتخذنا الشيطان اسما لأبليس ولا نعلم إنها صفة له . والصفة تنتقل من شخص لاخر ومن مخلوق لاخر ، قال سبحانه المفسدين في الأرض فهل اسمهم مفسدين أم صفة لهم ؟ وذكر هذه الصفة في القديم وما كان بين الحضارات وما كان في عصر الرسل والانبياء اصحاب الكتب السماوية فهل كلهم عملهم واحد من الفساد بالطبع كلا . إذن الفساد صفة لكل من خالف الشريعة وتعدى حدوده على الناس واختلف التعدي بتعدده إلا إنه كله فسادا في الأرض .
اما الشيطان فهم من يوسوس لك وتلك الصفة يحملها اثنين تحملهم بداخلك واخر صديقك ، اما الذي في داخلك فهو عقلك والأخر نفسك .
واليوم نستعرض عمل القرين ليطابق المعنى الذي نتدبره من آيات الله سبحانه من كتابه الكريم ، العقل خلقه سبحانه فقال له أقبل على طاعتي فأقبل فحمل طاعة الله سبحانه ، وقال له أدبر عن معصيتي فأدبر ، ولكنه أدبر وهو يحمل الخطايا ، فما بين الأقبال والأدبار حكاية الإنسان ّ.
عندما لا يذكر الإنسان ربه وهو قائم على حاله أي لا ضرر ولا ضرار فالكثير من الناس يقول أنا أحسن حال من غيري وهو يصلي أو يدفع الزكاة أو يتصدق أو ... ولكن الذي تمناه في نفسه كان سرابا ، وذلك لنسيانه إنه خلق على الفطرة التي اوجدها سبحانه بداخله وواحدة منها هي قراءة سبحانه كتاب الذكر على آدم عليه السلام والأخرى اشهد النفس ألست بربكم قالوا بلى . تلك الشهادات هي ألزام الإنسان بالعبودية لله من ذكر وتسبيح وطاعة وسجود ودعاء وغيرهن من الأحكام .
العقل له اتجاهين في التفكير ايجابي وهذا ما نريده ونتمناه لأنفسنا . وسلبي وهذا ما نقرفه ونعوذ بالله منه ؛ فلأول هو ما كان من عرض أمر علينا ونتفكر به فنخرج صحيحه من خطئه ، فهذا يسمى عقل ايجابي او عقل سليم .
اما العقل الثاني السلبي ما يعرض علينا من أمر وبعد تفكير وتدقيق وتحليل نجد انفسنا تختار ما هو خطأ بل نبدأ بتصوير ذلك الخطأ هو النجاة وهو الصحيح بتركيبات فكرية كلها مغلوطة ونحسب أنفسنا إننا نحسن التفكير والأبداع فيه .
القرين هو العقل المدبر الذي حمل خطايا الماضي وسار بها إلى المكان السحيق عن الحقيقة حتى نجده يخسر تجارته فلا أحد ينجده لأنه في المكان السحيق ونجده يخسر أولاده ووظيفته وكل شيء بناه في حياته وهو لا يدري لأنه فعلا لا يدري ورحم الله الخليل الفراهيدي على هذه المقولة فاخرجه بحمار كما وصفهم سبحانه هم اضل سبيلا .
العقل المدبر عقل لا يأتي بخير أين ما تضعه فهو عاش ضال لا يعرف من حياته إلا الضلال فإذا قلت له يمينا يقول لك اليسار أفضل وإذا قررت المغادرة ليلا يقول لك في الصباح أفضل ، فإذا طالبته بالصحيح المتعارف عليه يقول لك هذا أنا انتجته أفضل من الصحيح المتعارف عليه ؛ وهنا هو لا يتبع التطور بجميع اشكاله وصنوفه بل اتبع هواه فوجد نفسه في المكان السحيق .
والقرين هو غدة فوق الدماغ مسؤولة عن الصحة النفسية للإنسان فإذا تخلت نفسك عن ذكر الله أكبر والتسابيح والصدقة والصلاة والزكاة والصوم وقراءة القرآن الكريم فاشهد عليه بصحة نفسية سيئة لا بشرى له .
ومن هنا القرين هو العقل المدبر فأياك أن تفعل فاحشة وتقول سأتوب إلى الله وتدخل بعد فعلتها إلى الصلاة او الصوم او الزكاة او الاستغفار بقصد التوبة ، هذا فعلك الأنكاري الذي فعلته ازاحك عن الطريق المستقيم فهل يصح لك أن تصلى وأنت بعيد عن الطريق المستقيم أو تصوم أو تحج بيت الله الحرام فكل ذلك كان عند الله كبيرة فيجب عليك اظهار التوبة والقلوع عن الفاحشة وتنظيف نفسك من ولعها بالملذات والقبائح . يجب عليك كما جعلت الهوى يقودك لملذاتك أن تجعل نفسك تقودك للعبادة فابتدأ مفردا ومن ثم أنت وصاحبك وبعد فترة أنت مع الجماعة وكل هذا أنت مسؤول عنه فوجب على المصلين أن لا يدخلوا من كان بالأمس مخمورا أو في طريق الفتن واليوم مع الجماعة بحجة إن الله غفور رحيم وأقول للناس اعقلوا وتوكلوا فالله أعز وأكبر .
القرين هو العقل ولا يمكن أن يكون الشيطان الرجيم فذلك محال قال تعالى ( ما ربك بظلاما للعبيد ) كيف يترك الله سبحانه شيطانا يعيش بداخلك أيعقل هذا !؟ ولكم الاجر والثواب . ويبقى لنا الحديث عن العقل الرشيد هو مبتغى المؤمنين .