الرؤية السيكولوجية للتجديـــد في الشعر المعاصر بقلم : د . فالح الكيـــــلاني
.
ان البعد السيكولوجي للقصيدة العربية الادبية ينبع من التعبيرية الشعرية التي تنبثق من القيود المفروضة او تحطمها لتسير منسابة من نفس الشاعر ولترسم من خلالها مواقع زمانية او مكانية في لغتنا العربية وقد تتجاوز الواقع المعاش لتسمو في افاق ذاتية فاعلة بين انتشاء قوة التعبير وجمالية الاحاسيس الى اي شكل من الأشكال الأدبية المتنوعة وفي انبساطية الفن الشعري او الادبي بحيث ترتكز سيكولوجيها على التحليل الأدبي في أشكاله الفنية , منبثقة من النفسية الشعرية العالية وتتوزع الى انعكاسات هذه النفس لتأتلق في الأدب وفنونه المختلفة والتي تعتبر الوجود ذاته امتدادا لروح الأديب او الشاعر وما يعتمل فيه .
فالحياة ربما تصنع انسجتها التي تريد ارتداءها فتجدها في رغبة نفس الشاعر وما يشعره فيها فتتنوع هذه الماهية بتنوع ا نفس الشعراء وميولهم وما ينتجونه من شعر في تدفق انفعالات التعبر وكينونته .
فعندما يكتب او يشعر الأديب اوالشاعر او الفنان العربي فكانما امتلك الحياة كلها فما يكتبه ينبع من مسارات الحياة في خلده وفي شعره وبهذا تعتبر الانعكاسات الادبية فيما يشعر به ذاتية المعنى والمغزي ولا تخلو من الموضوعية البحتة المتاتية في مرجعيتها وتسجيلها للاحداث وواقعيتها ومن هذا المقام تنطبع شاعرية الشاعر العربي بنفحة الحزن او الاسى اوتنطبع بواقعيته المعاشة يقول شاعرنا :
يا ســاكِنا لُــــبَّ الفُـــــــؤادِ تُــزيـــــــدُ هُ
غًمّــــاً وفي وَسَــط الهُمـومِ تَـصَـــــدّ را
عَصَفت رّيـــــاحُ نُفوسِها لا نـَشــــــــْتـَــهي
وَمُنى النُفـــــوسِ العــــــا مِرا تِ فـتُـغـمَر ا
إنَّ الفُـــؤادَ تَــقــرّحَـــت أوصـــــا لُـــهُ
تَـنـــْثــا لُ فيــهِ دُموعُهـــا وَلِتُـســـجرا
فِـــاذا الحَيــــا ةُ كَـلَيــلِـــةٍ مَــحــمــومَــةٍ
بَــــحـرٌ تَـهَـيّــــجَ مـو جــــهُ وَ تَــجَــــزّرا
شـــاقَـَت لَـــكَ الجَنّــاتُ في ألَــــقِ الرضى
أشــــعلــتَ نـــاراً بالفــــؤاد تَمَــرمَــــرا
فكأن الوجود حوله قاتم الالوان فيتشكل نتاجه باسلوبه الشخصي وواقعه المرير من خلال الصور الشعرية ووجوديتها في انسياب الابداع من بين يديه بانسيابيات تعبيرية حزينة في الشعر والادب سواء كان عموديا ونثريا لما يختزن في اعماق نفسه من شعور. وترتسم ما تستقيه من خلال النص الادبي .
فالشاعر بامكانيته و قدراته الأدائية له القابلية في استكشاف حال الإنسان ويربط ايحا ئاته بها ربطاً شمولياً ، بحيث لا يتمكن - في الاغلب – من عزل نفسه عن المكان والزمان المقال شعره فيه وربما يكون شموليا فيبقى خالدا , وهذا سر من اسرار جمالية الشعر فقد يرى مسيرة الانسان ونزوعه نحو التفاؤل في النفس الانسانية وقد يرى فيه عذاب او تعاسة إنسان في موقع معين هو رمز لعذاب الانسانية . لذا فإن حالة الموت لدى الشاعر قد تغدو موتاً ا وحالة انسانية عامة وليست شخصية بل معاناة ومعضلة تكتنف الحياة البشرية في كل مكان، لا حياة شخص بعينه.
وربما تكون شحنات عاطفية متولدة من انصهار الوجود في مخيلته ثم افراغة على المادة الأدبية او الفنية التي تشكل تؤامة روحية مع انعكاسات النفس في ذاته الدفينة في عوالم اللاشعور الدفين لا جزءاً من الواقع الموضوعي المحيط به .
وربما بقيت الشعرية العربية عصية على كشف لون ردائها الذي يخبئ جمالا وجوديا خاصا في الوجود وكانها ظلال قاتمة تتشكل اشراقاتها النورانية على الابيات او السطور . ولتبقى شعورا ذاتيا تنعكس فيه شحنات متماوجة بين هدير هائج وانسياب هادئ وبين أسوار مغلقة وأفاق حرة شاسعة تخترق الحدود في لغة الوجود اللامتناهي تنعكس فيه ظلالات النفس واشراقتها في اي نص شعري تراه جميلا .
اما في مجال النقد الادبي فقد عجز النقاد العرب عن بلورة منهج نفسي لتفسير الأعمال الأدبية، واعتمدوا صيغة ما كان من انطباعات وأراء لا ترقى لمستوى المنهج بضوابطه وخطواته العلمية. من خلاله طريقة استخدام هذا المنهج في دراسة الشعر وإدراك أغوار النفس، بناء على ما يجود به كيان الشاعر الشعوري واللاشعوري، مقاربة تتيح فرصة تفسير لاوعي الشاعر والدوافع التي تثيره وتحركه. وربما يتوصل إلى مجموعة من النتائج استنادا إلى معطيات المنهج النفسي، وما ينتهى إليه الناقد بخصوص الأسطورة الشخصية التي تمثل انعكاسا لإبداع الشاعر العربي من خلال ما يجيئ به من الصور الرمزية المستحدثة.
فالناقد ربما لا يستطيع ايجاد تصور متكامل من المعطيات النقدية بإخضاع النص الأدبي لعملية النقد تماما لذا كان لزاما عليه البحث عن تصورات تتيح له إمكانية اخضاع النص الإبداعي للتحليل النفسي. وطريقة استخدام هذا المنهج النقدي من خلال دراسة قصيدة الشعر وسبر أغوار النفس الشاعرة وفق كيان الشاعر الشعوري واللاشعوري عند كتابته للقصيدة وما يكتنفه من مشاعر وارهاصات مقاربة لشاعريته ومن خلال تكهن الدوافع التي قد تثيره وتحركه. وكل هذه هي معطيات سيكولوجية تسمح باسكتشاف البنية الدلالية التي تهيمن على إبداع الشاعر ورؤيته او مساره في حياته الادبية .
. لاحظ كتابي ( ملامح التجديد في الشعرالعربي الجزء الثاني الصفحات 293 - 296 )
امير البيـــــــــــــــــان العربي
د . فالح نصيف الحجية الكيــــــــــلاني
العراق - ديالى - بلـــــــد روز